حركة 16 مارس المجيدة (6)

 

ولد عيدّلها يروي أحداث حركة 16 مارس (ح1 / 4)

في الذكرى الثالثة والثلاثين لحركة السادس عشر من مارس التي قادها الضابطان محمد ولد عبد القادر، المعروف بـ "كادير" وأحمد سالم ولد سيدي – رحمهما الله- عام 1981 استضافت قناة "الوطنية" على مدى ست حلقات - حتى الآن- السيد إبراهيم فال ولد أحمد سالم ولد عيدّلها، أحد المشاركين في تنفيذ محاولة الانقلاب التي جرت بالتاريخ المذكور، حيث روى ولد عيدّلها تفاصيل واحدة من أشهر المحاولات الانقلابية في تاريخ البلاد.

ولما تضمنته المقابلة من تفاصيل عن حركة ما يزال الكثير من أسرارها مجهولا، ننشر نصها الكامل في الذكرى الرابعة والثلاثين لهذا الحدث:

محمد السالك ولد داهي: في السادس عشر من مارس 1981 سيطر ضباط سابقون في الجيش على قيادة الأركان ومبنى الرئاسة والإذاعة في محاولة لقلب نظام الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيداله. بعد ساعات أعلن عن فشل الانقلاب. بعد أيام أعدم قادة الانقلاب ودفنوا في مكان لم يعرف بعد. وتتالى الأحداث ليحولوا - بفعل الآلة الإعلامية- إلى خونة. فهل تَحَوّل أبطال حروب موريتانيا كادير وأحمد سالم وانيانغ ودودو سك في يوم واحد إلى خونة يريدون إيذاء بلدهم؟

لأول مرة يتحدث على شاشة "الوطنية" أحد الناجين من الانقلاب وأحد منفذيه.. ابراهيم فال ولد عيدلها.

سؤال: ابراهيم فال أهلا بكم. كم كان عمركم حينها؟

ابراهيم فال: كان عمري وقتها 24 سنة.

البداية

سؤال: في أحد أيام خريف سنة 1980 اتصل بكم أحد أقربائكم هو أحمد ولد انديات وطلب منكم التوجه إلى السنغال، وفي العاصمة السنغالية داكار التقيتم في فندق "لاكروا دي سيد" بالمرحوم أحمد سالم ولد سيدي، ماذا جرى خلال اللقاء؟

ابراهيم فال: للأمانة فإن أحمد لم يقل لي شيئا، ولكني حين وصلت قلت له إن لي علما بأن أحمد سالم موجود هناك وأرغب في لقائه والسلام عليه، فرحب بذلك وذهبنا إليه في الفندق ودخلنا عليه وبعد السلام قال لي: كنت سأكتب إليك رسالة، إلا أن كثرة أقاويل الناس منعتني من ذلك فاخترت أن تصل هنا دون أن تعلم بشيء؛ فهل يمكنك الذهاب معي إلى المغرب؟ قلت: أجل، أستطيع الذهاب معك. ولن تتخذ قرارا بشأني وأرفضه. بعدها بدأ في استكمال السلام وسؤالي عن الأحوال والأخبار.. قلت له إن النظام غير محبب إلي لأن الكل مستاء منه وأنا أولهم في ذلك.

مكثت أسبوعين في داكار، ثم اتصل بي شخص واستخرج لي وثيقة سفر (Laissez passer) وذهبت إلى المغرب مرورا بفرنسا. واستقبلني أحمد سالم نفسه، وذهبت إلى فندق قد أكون مكثت فيه أسبوعين أو ثلاثة.

سؤال: قبل أن تذهب إلى المغرب كم أمضيتم في السنغال، وماذا فعلتم هناك بالضبط؟

ابراهيم فال: أنا في الحقيقة تغير برنامجي، فقد كنت أحسب أنني سأزوره (أحمد سالم) وأعود أدراجي إلى موريتانيا. لعلنا مكثنا هناك أسبوعين وأخبرنا هو بأن شخصا ما سيتصل بنا ويستخرج لنا تصاريح نسافر بها إلى المغرب وهو ما حدث فعلا، وجئنا إلى المغرب.

سؤال: أين كنت تعيش بالضبط؟ أنت في الأصل سافرت إلى السنغال لحاجة مؤقتة فإذا بك تدخل معمعان محاولة قلب نظام حكم..الأمر ليس بسيطا! ما هي الطريقة التي تعاملت بها مع الوضع الجديد أيامك في السنغال؟

ابراهيم فال: هناك الكثير من معارفي. إذا زرت السنغال لا تستطيع النزول في الفندق لكثرة المعارف.

سؤال: هل تعني أنكم تجنبتم الفنادق والأماكن العامة التي ربما يكون بها من يعرفكم؟

ابراهيم فال: هذا صحيح.

سؤال: أين نزلت؟

ابراهيم فال: نزلت لدى أسرة من "الأشياخ" مكان هناك ينزل فيه الزائرون من آل الشيخ سعد أبيه، ومن هناك صرت أزوره هو (أحمد سالم) ولم يمكث طويلا، وإنما مكث خمسة أيام أو ستة ثم ذهب إلى فرنسا ومنها إلى المغرب. وقد أنجز السيد المكلف بإعداد وثيقة سفري ما عهد به إليه.

سؤال: وهل هو موريتاني؟

ابراهيم فال: هو مغربي.

سؤال: ما اسمه؟

ابراهيم فال: يدعى الهاشمي.

سؤال: هل هذا اسم حركي؟

ابراهيم فال: لا؛ بل هو اسمه الحقيقي فيما أعتقد.

سؤال: ماذا كانت صفته هناك؟ دبلوماسي، ضابط استخبارات..؟

ابراهيم فال: أعتقد أنه كان يعمل بالسفارة المغربية هناك.

سؤال: هل اقتصر اتصاله بكم على مجرد تسهيل الأوراق أم كان هناك تأطير؟

ابراهيم فال: لا يعدو تسهيل الأوراق. وقد أمدنا ببعض ما يسمى "ثياب النصارى".

سؤال: أنت في الرابعة والعشرين من عمرك، ومسافر، وستدخل في محاولة انقلاب يزيح النظام.. ألم يساورك الوجل وأنت تقوم بمهمات صعبة بالنسبة إلى عمرك؟

ابراهيم فال: لم أكن خائفا، وأنا لست جبانا في الأصل، وتعجبني الأعمال البطولية. وفي تلك الأيام كان هيداله غير محبب إلى أكثرية الناس، وكان حجمي كبيرا وبنيتي قوية فأصررت على الذهاب.

سؤال: هل التقيت بآخرين غير الهاشمي بداكار؟

ابراهيم فال: لا، لم ألتق بهم.

سؤال: ألم تلتق بموريتانيين مثلا؟

ابراهيم فال: في إطار عادي، فهم لا يعرفون مهمتي ولا ماذا أريد هناك.

سؤال: ما هي الطريقة التي كان المغربي يتبعها للاتصال بك؟ هل كان يلقاك في الليل.. أم؟

ابراهيم فال: كنت أكالمه بالهاتف، ووقتها لم يكن المحمول موجودا وإنما كنت أتصل به من أكشاك الهاتف الثابت. يتصل بي فآتيه.

سؤال: أين كان يتصل بك بالضبط؟

ابراهيم فال: إنما هو اتصال واحد أو اثنان. اتصال ليستلم مني صورا وآخر ليسلمني وثيقة السفر.

الطريق إلى الرباط

سؤال: كنت في السنغال مع أحمد ولد انديات الذي كان العنصر المدني الوحيد – بالإضافة إليك- في المجموعة، فهل كان لديك جواز سفر تستطيع السفر به؟

ابراهيم فال: لا، لا.

سؤال: أصدر لك جواز سفر مغربي؟

ابراهيم فال: وثيقة سفر (Laissez passer) فقط.

سؤال: والذين ذهبت معهم إلى المغرب من هم؟ موريتانيون أم سنغاليون، أم ذهبت بمفردك؟

ابراهيم فال: ذهبت أنا ورجل يسمى الداه ولد محمد لعبيد -رحمة الله علينا وعليه- من قرابتي، وأحمد ولد انديات.

سؤال: ذهبتم في طائرة واحدة؟

ابراهيم فال: ذهبنا في طائرة واحدة.

سؤال: كيف كان السفر؟ هل شعرتم بقلق من طول الرحلة؟

ابراهيم فال: لا، لا.

سؤال: ومتى وصلتم المغرب بالضبط؟ قص علي الرحلة بالتفصيل.

ابراهيم فال: نحن ذهبنا من داكار السابعة صباحا فيما أظن، ووصلنا إلى باريس فاستقبلنا رجل لا يزال حيا، ووجدنا عبد القادر في المطار – كادير رحمه الله- في مطار أورلي. ونزلنا عند رجل يدعى كادير مراد - يوجد هنا الآن- ومكثنا معه 24 ساعة تقريبا.

سؤال: هل كانت لدى كادير مراد مهمة هناك؟

ابراهيم فال: كان من AMD(التحالف من أجل موريتانيا ديمقراطية) كان يربط بين الناس ويلتقي بهم. وسبق أن حكم عليه هيداله بعشرين سنة من السجن. جئناه ونزلنا عنده وأمضينا النهار معه وبتنا فيما أعتقد، وذهبنا غدا إلى المغرب ووجدنا أحمد سالم في استقبالنا بالمطار، رحمة الله عليه.

سؤال: كان في الرباط؟

ابراهيم فال: كان في الرباط.

سؤال: وهل وجدتم معه غيره أم لا؟

ابراهيم فال: كان في استقبالنا بمفرده.

سؤال: كيف كانت الرحلة؟

ابراهيم فال: كانت جيدة. كان (أحمد سالم) في استقبالنا وذهب بنا إلى الفندق فارتحنا.

سؤال: أي فندق كان؟

ابراهيم فال: يدعى فندق شهرزاد.

سؤال: في الرباط؟

ابراهيم فال: في الرباط.

سؤال: وكم أمضيتم به؟

ابراهيم فال: ربما كنا أقمنا به 20 أو 25 يوما.

سؤال: من كان يقيم معك في الفندق؟

ابراهيم فال: كان معنا هؤلاء القوم (المذكورون سابقا) وحين علم بنا صديق لنا يدعى ابهاه ولد اسويدات –رحمه الله- زارنا هناك وأتانا بشيء من الشاي واللباس. كان يتجول فإذا به يلقانا صدفة فزارنا..

سؤال: هل يعرف ما تنوون؟

ابراهيم فال: هو من AMD لم نقله له ولا أدري هل كان يشعر به أم لا.

سؤال: ألم تتحدثوا معه في الموضوع؟

ابراهيم فال: لا، لا؛ فليس هذا من النوع الذي يجري الحديث فيه.

سؤال: ألم يتصل بكم أحد من خارج مجموعتكم خلال إقامتكم بالفندق؟

ابراهيم فال: لا، لا.

سؤال: ألم تلتقوا بأحد من المخابرات المغربية أو ما إلى ذلك؟

ابراهيم فال: لا، لا. لم يتصل بنا أحد هناك. وما لنا ولهم، نحن لنا قادة ومن ثم فليست بيننا وبينهم علاقة. ثم إن هذا أمر حساس. زارنا هناك رجل من الأهل موجود هنا يدعى بابا ولد ببكر. زارنا مرتين. وللأمانة لم نذكر أنه زارنا حين اعتُقلنا، ولو قلنا ذلك لتورط.

سؤال: ما ذا كان يعمل هناك؟

ابراهيم فال: هو من القرابة وصديق لأحمد سالم وابن عمه.

سؤال: وهل هو مؤتمن؟

ابراهيم فال: هو هنا في انواكشوط وكان زائرا للمغرب فزارنا لأجل صحبته وإياه.

سؤال: والآخرون من العناصر التي كانت خطيرة عليكم؛ أعني الموريتانيين الذين كنتم تلقونهم؟

ابراهيم فال: لم نلق أحدا ولم تكن بيننا علاقة مع أحد من الموريتانيين.

سؤال: ألم يَشُكَّ فيكم أحد؟

ابراهيم فال: لا، لا. لقيت أنا قريبا لي..

سؤال: وما كنتم ترتدونه هناك هل كان الزي المدني؟

ابراهيم فال: في الرباط؟ إنما هو الزي المدني. وكيف نرتدي الزي العسكري!

سؤال: ألم تكونوا تبرحون الفندق؟

ابراهيم فال: أحيانا نتجول قليلا خارجه على حذر.

سؤال: حين وصلتم إلى الفندق ألم يُقَل لكم ستمضون المدة الفلانية هنا ثم تذهبون إلى الموضع الفلاني؟

ابراهيم فال: لا، لا.

سؤال: ألم تعرفوا أين تُكَوَّنُون بالضبط؟ برنامجكم بعد الفندق، لا تدرون إلى أين ستذهبون؟

ابراهيم فال: ما كنا نعرفه أننا بصدد الذهاب إلى تكوين عسكري ولكننا لا ندري متى. نعرف أنه لن يتأخر ولكن.. أنا آت مع ذلك الرجل (أحمد سالم) وأترك له الموضوع وأعتمد عليه لعلمي أنه لن يدخلني إلا في أمر سليم.

سؤال: هناك أمر يفاجئني: أنت مدني، لست عسكريا لأن طبيعة العسكري أن يتلقى الأوامر التي توجه إليه؛ اجلس هنا، امرر من هناك، لا تبرح هنا، لا تمرر من هناك، فضولك كأي مدني وميل المدنيين إلى الاستطلاع وأسئلتهم.. ألم تشعر بحب الاطلاع على شيء؟

ابراهيم فال: ما أنا بصدده أعرفه، فقد أخبرني هو نفسه (المرحوم أحمد سالم ولد سيدي) حينما لقيته.

سؤال: لكن ما سبب هذه الثقة العمياء؟

ابراهيم فال: هو يضع ثقته فيّ لأننا..

سؤال: أنا أعني الجماعة التي ذهبت بكم من داكار، ووضعتكم بالمغرب.

ابراهيم فال: العقيد الذي ذهبت أنا معه كان كوالدي، وانظر هل يذهب بك والدك إلى النار إلا وذهبت معه. أليس كذلك؟ ستغمض عينيك وتسايره لأنه لن يقودك إلا إلى ما يرفعك أو.. أعني أنني أثق فيه ولا أسأل عن شيء. لدي ثقة تامة فيه.

سؤال: في المدة التي أمضيتموها بالرباط، هل كانت حركتكم مقيدة أم كانت هناك لائحة بالتعليمات مثلا؟

ابراهيم فال: لا، لا، لا.

سؤال: أي أنكم كنتم تتصرفون كما تشاؤون؟

ابراهيم فال: كما نشاء، ومن نلقاه هو (أحمد سالم ولد سيدي) لديه الثقة التامة فينا. ثم إن الناس كانت ذوي مروءة جدا ولم تعد كذلك.

التدريب

سؤال: صف لي اللحظات التي تم الاتصال بكم فيها لتذهبوا إلى القاعدة العسكرية.

ابراهيم فال: ذات مساء زارنا هو؛ أما عبد القادر – رحمة الله عليه- فلم يكن هناك، كان كثير السفر إلى فرنسا، إلى AMDوما إلى ذلك. عبد القادر كان الشخصية الأولى في التنظيم.

سؤال: تعني أن العقيد عبد القادر كان هو المنسق بينكم وبين الجناح المدني؟

ابراهيم فال: نعم. هو الشخصية الأولى في الانقلاب؛ بل هو الشخصية الأولى في التنظيم.

سؤال: هو القائد؟

ابراهيم فال: أجل.

سؤال: لنعد إلى لحظات إشعاركم بأنكم ذاهبون إلى القاعدة العسكرية كيف كانت الطريقة التي استقبلتم بها الخبر؟

ابراهيم فال: أنا شخصيا كان سارا لي تماما، وكنت فرحا به.

سؤال: ماذا حدث؟

ابراهيم فال: جاءنا أحمد سالم – رحمة الله علينا وعليه- وقال لنا: غدا ستدخلون التدريب فاستعدوا. وأكملنا استعدادنا وغدا سافرنا بحلول الليل وواصلنا السرى إلى المكان الذي سنستقر فيه، وتلقانا ضباط فرحبوا بنا وأرونا المكان الذي سنقيم فيه، وكانت لدى أحمد سالم دار في القاعدة..

سؤال: القاعدة العسكرية كانت قاعدة ابن اكرير؟

ابراهيم فال: نعم، وكانت لكل منا غرفته.

سؤال: ومن هم الضباط الذين استقبلوكم؟

ابراهيم فال: أحدهم رائد يدعى علال، وآخر يدعى أحمد، وملازم آخر يدعى روبيو، وضباط آخرون.

سؤال: صف لي ما حدث بالضبط، لحظات وصولكم إلى القاعدة، خصوصا وأنت مدني وقد تكون تلك الحياة غريبة عليك.

ابراهيم فال: نحن وصلنا آخر الليل، فقد سرنا بالليل لأسباب أمنية، لكي لا نلفت انتباه أحد أو يرانا من يعرفنا. ومكثنا يوم وصولنا ثم لبسنا الزي العسكري وبدأنا نتدرب.

سؤال: وفيم تمثل التدريب؟ قص علي..

ابراهيم فال: كنا ننهض باكرا فنمارس رياضة الجري على مدى أربعين كيلو مترا تقريبا، ونعود زوالا ثم نمارس الرماية بمختلف الأسلحة. أمضينا زمنا على هذا النمط.

سؤال: كم كان عددكم؟

ابراهيم فال: كنا عشرة.

سؤال: من هم بالضبط؟

ابراهيم فال: انيانغ رحمة الله علينا وعليه.

سؤال: انيانغ عسكري؟

ابراهيم فال: انيانغ عسكري. ومحمد ولد دودو سك رحمة الله علينا وعليه.

سؤال: عسكري؟

ابراهيم فال: عسكري. وأحمد ولد انديات أطال الله عمره.

سؤال: عسكري؟ أحمد ولد انديات كان مدنيا؟

ابراهيم فال: كان مدنيا.

سؤال: كان برتبتك أنت. أنت وأحمد ولد انديات من بينهم كنتما مدنيين؟

ابراهيم فال: نعم، نعم، نعم.

سؤال: ومن أيضا؟

ابراهيم فال: والداه ولد محمد لعبيد.

سؤال: كان عسكريا؟

ابراهيم فال: كان عسكريا رحمة الله علينا وعليه. وابراهيم ولد اعلي أطال الله عمره؛ ما زال حيا. وإسماعيل ولد محمدو، ويعقوب ولد أشفغ العالم.

سؤال: هؤلاء عسكريون كلهم؟

ابراهيم فال: عسكريون.

سؤال: هولاء الذين ذكرتهم لم يذهبوا معك؟ ذكرت لي دودو سك، وانيانغ مصطفى وابراهيم ولد اعلي، والداه ولد محمد لعبيد، هؤلاء لم يذهبوا معك من داكار إلى المغرب؟

ابراهيم فال: هؤلاء وجدناهم هناك في المغرب؛ فانيانغ - رحمة الله علينا وعليه- جاء مع عبد القادر، أو سبقه بشهور، فقد وصل 79، والآخرون التحقوا بعد ذلك. وجدناهم في المغرب.

سؤال: انيانغ كان ضابطا؟

ابراهيم فال: أجل انيانغ كان ضابطا. كان قائدا مساعدا لمنطقة عسكرية.

سؤال: كان من أبطال حرب الصحراء على ما أعتقد؟

ابراهيم فال: بالتأكيد، انيانغ كان بطلا، هم كانوا أبطالا كلهم. هذه اللائحة التي استعرضتها معك كلها أبطال، لأن من ضحى بعمره لكي يقلب نظام ولد هيداله فهو – في رأيي- شجاع، لأن ولد هيداله كان الجميع يخافونه، وهذه الجماعة وحدها هي من لا يخافه. الناس كلهم مصفقون له وخائفون منه، ويجلدهم..

سؤال: تعني أن هذه الجماعة كانت أفضل من في موريتانيا من وجهة نظرك؟

ابراهيم فال: كيف لا! هي ضحت من أجل موريتانيا؛ هؤلاء العقداء.. أحمد سالم كان نائب الرئيس، وكان وزير التجهيز، وكان مراقب اللجنة العسكرية للخلاص الوطني، وكان واليا، وكان مدير المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة، وكان واليا مساعدا، وكان قائد البير. وعبد القادر كان وزيرا، وكان قائد القوات الجوية.. وكان كل شيء. هو أول قائد لسلاح الطيران. معنى هذا أن هؤلاء الذين ضحوا.. الذين قُتلوا من أجل موريتانيا، يدل هذا على أنهم أفضل من في موريتانيا. كان بإمكانهم أن يقيموا في الفنادق، وكان بإمكانهم أن يبقوا هنا دون أن يبرحوا.

سؤال: لو عدنا بالزمن إلى الثكنة العسكرية، ماذا بقي عالقا بذاكرتك من التدريب العسكري وما طبيعته؟ هل كان تدريبا قويا؟

ابراهيم فال: نحن وقتها أجرينا اختبارا..

سؤال: كم كانت مدة التدريب؟

ابراهيم فال: مدة التدريب كانت حوالي ستة أشهر أو سبعة. لقد ذكرت أننا جئنا في أغسطس ولم نذهب من هناك إلا في الأول أو الثاني من مارس.

سؤال: إذن فقد تدربتم ستة أشهر؟

ابراهيم فال: ستة أشهر.

سؤال: ستة أشهر.. هو تدريب يجرى عادة لضباط الاحتياط..

ابراهيم فال: بالتأكيد. نحن المدنيين مثلي أنا وأحمد..

سؤال: كان صعبا عليكما؟

ابراهيم فال: لا، ليس صعبا علينا؛ بل تفوقنا في الامتحان، أجرينا اختبارا فأسفر عن تفوقنا.

سؤال: أنتما المدنيان تفوقتما على العسكريين؟

ابراهيم فال: تفوقنا لأننا مقتنعان جدا بما نحن فيه، إلى أقصى الغاية. وأعضاء هذه الحركة يسمون الضباط الأحرار، وسبق أن أصدروا ميثاقا يتضمن أن كل عضو سواء أكان مدنيا أو جنرالا أو عميدا.. الجميع يسمى الضباط الأحرار.

سؤال: تعني أن التنظيم كان يسمى الضباط الأحرار الموريتانيين.

ابراهيم فال: بالتأكيد. هو الاسم الذي أطلق عليه.

سؤال: ماذا علق بذاكرتك من التدريب العسكري؟

ابراهيم فال: أذكر وقتها – مما يدل على تفوق الموريتانيين- أننا حين نكون في وضعية استعداد للرماية يقول لنا المدرب: من أخطأ الهدف منكم فقد أخطأها ولا يحق له أن يقول: لم أر أو كذا.. من أمور "الموريطانيين" أنا لم أر المغاربة، أنا كذا، أنا كذا.. من أخطأ الهدف فقد أخطأ الهدف. وأذكر أننا تلقينا الكثير من التدريب والسير.. السير.. يذهب المرء 50 كيلو مترا يخلفها وراءه.. يسير الكثير من الأرض. وكنا محل اعتبار هناك.

سؤال: أنت في تلك الفترة كنت أشد الجماعة قوة..

ابراهيم فال: أنا أعتقد أنه في تلك الفترة لا يوجد من يغلبني! هذا ما أعتقده. كنت قويا للغاية وقتها.

سؤال: على أي الفنون القتالية تدربتم أساسا؟

ابراهيم فال: تدربنا عليها كلها.. على الجودو والكاراتيه، وعليها كلها.

سؤال: وهل كنتم على اتصال بأهلكم هنا؟

ابراهيم فال: الاتصال هناك معدوم، فالهاتف غير موجود، ثم إنه لا ينبغي..

سؤال: ألم تفكر في أهلك؟

ابراهيم فال: لا، لم أفكر فيهم. وأهلي كانوا معي فرفقائي من أهلي.

سؤال: العائلة والأصدقاء؟

ابراهيم فال: لم أفكر فيهم. ولكن حين دخلنا الأراضي الموريتانية..

سؤال: سنصل إلى ذلك. في الفترة التي تدربتم خلالها بالضبط كان الجنرال الدليمي هو رئيس الاستخبارات المغربي، هل اتصل بكم؟

ابراهيم فال: اتصل بقيادتنا. اتصل بعبد القادر وأحمد سالم، وهما من ينبغي له أن يتصل به.

سؤال: تعني أن قائديكم كانا حلقة الوصل بينكم وبين رئيس جهاز الاستخبارات المغربية؟

ابراهيم فال: هذا ما بدا لي.

سؤال: قلت إن مدة التدريب ستة أشهر فهل أمضيتموها في تدريب متواصل بدون انقطاع؟

ابراهيم فال: بالتأكيد، بدون انقطاع.

سؤال: هل كنتم تتناولون الشأن الموريتاني في أحاديثكم أو تتكلمون عن السياسة.

ابراهيم فال: لا. إنما كنا نشعر بالأحداث التي تجري بالبلاد، إما عن طريق الإذاعة، وإما عن طريق أحمد سالم الذي كان يتابع الشأن الداخلي، وكان معنا في موقع التدريب، كان لديه منزل هناك، وكان معنا بصفة متواصلة.   

سؤال: وهل كان يتدرب معكم؟

ابراهيم فال: لا! كيف يتدرب معنا عقيد متخرج من "سان سير"؟

سؤال: لعله أول ضابط درس بها؟

ابراهيم فال: ألم أقل لك إن بعض هؤلاء الجنرالات درسوا على يديه؟ قائد BED (مكتب الدراسات والتوثيق) الحالي من الدفعة الأولى وكان أستاذها، وهنا عقداء من الدفعة الأولى وقد درّسهم. هو خريج "سان سير" المدرسة التي تخرج منها ديغول.

سؤال: أي أنه أول ضابط موريتاني دخلها؟

ابراهيم فال: هناك ضباط، ولكنه من أولهم، أعتقد أنه من أول الضباط الموريتايين  الذين دخلوا "سان سير".. "سان سير" ليست مدرسة بسيطة، ألم يتخرج منها ديغول!

سؤال: ألم يساورك الوجل؟ ألم تعرف أنك تواجه مصيرا مظلما وقد تقتل؟

ابراهيم فال: كل أحد قد يخاف إذا كان عاقلا، ولكنه يسيطر على نفسه لكي لا يتبهدل ويؤكل عرضه..

سؤال: هل زاركم كادير في أيام التدريب؟

ابراهيم فال: أجل كادير زارنا؛ أليس المسؤول الأول!

سؤال: هل كان انيانغ مصطفى معكم في التدريب؟

ابراهيم فال: انيانغ كان معنا، لم يبرح، كان معنا في التدريب وكذلك دودو سك وجميعهم. كنا هناك جميعا.

سؤال: كيف كانت علاقتك بانيانغ مصطفى؟

ابراهيم فال: كان صديقي، وكان محببا ومرحا وأخلاقيا. كان أخا. فمن دخل مع أحد هذه الأمور سيكون أقرب إليه من إخوته. انيانغ كان صديقي. كان غير متفق مع هيداله فقط.

سؤال: أنت تشعر الآن بأنه أقرب إليك من إخوتك؟

ابراهيم فال: كنت أحبه. الغاية جائزة، ولكنه كان حبيبا إلي وأحب ذريته.

سؤال: وهل ما زلت على اتصال بعائلات..؟

ابراهيم فال: بيني تواصل دائم مع عائلاتهم، دائما أزورهم وأهاتفهم فالأمر ليس بسيطا. منهم من هو من أسرتي وأقرب إلي من كل أحد.

خونة أم وطنيون؟

سؤال: هنا سؤال يطرح نفسه: أنتم جئتم إلى المغرب، وتدربتم في قاعدة عسكرية مغربية، وبإشراف من المخابرات المغربية، في هذه الحال بإمكان قائل أن يقول إنكم خونة! حتى قبل أن تأتوا، أنتم قادمون إلى دولة أجنبية لتعينكم على الإطاحة بنظام في دولتكم. ألا يعتبر هذا – في تصورك- خيانة عظمى؟

ابراهيم فال: لا. لم يحدث انقلاب قط إلا ووراءه دولة ما. ولو كنا عملاء لما قال عبد القادر وأحمد سالم: لا، حين استدعاهما المغاربة وقالوا لهما إنهم سيحشدون جيوشهم ابتداء من (الكيلو متر) 58 ومن أحبا اصطحابه ممن هناك من الموريتانيين للزحف على انواكشوط واستلام الحكم دون إطلاق رصاصة أو ما إلى ذلك، قالا لهم: لا، نحن موريتانيون والحكم موريتاني ولا نحب أن يأخذه إلا الموريتانيون، وذلك ما سنفعله، لأننا نود أن لا يسيل الدم في موريتانيا.

سؤال: أي أن المغرب عرض تدخلا عسكريا مباشرا على كادير وأحمد سالم ولد سيدي قبل التخطيط لعملية الكوماندوز هذه؟

ابراهيم فال: ربما.

سؤال: ربما أم أكيد؟ فالحقائق ينبغي أن تطرح ولا ينبغي تحاشيها.

ابراهيم فال: هم استدعوهما وقالوا لهما هذا ورفضاه، ولو كانا عميلين لتدخلا بالمغاربة! يأخذان جيشا ويدخلان به هنا ويستوليان على الحكم ويطردان ولد هيداله جهارا نهارا؛ ولكنهما لا يريدان ذلك.

سؤال: في تصوركم أنتم أن القوم دربوكم وقاموا لكم بكل هذا، ألم تسمعوا بوجود نيات لدى المغرب أن تكونوا وسيلة ليضم موريتانيا إليه؟ هو له أطماع تاريخية.

ابراهيم فال: نعم، ولكنه لا يستطيع.. ذلك غير ممكن. المغاربة يحبون موريتانيا وليس الأمر جديدا.

سؤال: هل كان قادتك سيقبلون هذا العرض: أن يأخذ المغرب موريتانيا وينصب أحمد سالم ولد سيدي أميرا عليها؟

ابراهيم فال: لا، لا. فهو أمير لا يزيده شيء ولا ينقصه شيء. أذكر أنه في الداخلة كان قائد المنطقة العسكرية الثالثة - كنت أسمع هذا في حكايات الماضي- وتسرع المغاربة فلما رأى العلم الموريتاني ينزل أشهر مسدسه وزجر الشخص الذي يفعل ذلك، وحدث اضطراب ثم سوي كل ذلك لاحقا. إذن فلا أحد يقبل لدولته أن تستولي عليها دولة أخرى وتضمها إليها أو يسعى من أجل ذلك مقابل نيله شيئا تافها أو أن يترأس مدة من الزمن. هذا لا يمكن! لا أحد يستطيع ضم موريتانيا إليه. ثم إن المغرب صديق لموريتانيا.

سؤال: قد أعود إلى الموضوع إذ يقال إن أحمد سالم توفي وليس غنيا؛ بل لا مال له.

ابراهيم فال: ولا شيء!

استراحة محارب

سؤال: بعد انتهاء مدة التدريب العسكري ماذا كانت الخطوة الموالية؟ فرغتم من التدريب - على ما أعتقد- أسبوعين قبل عملية 16 من مارس؛ ماذا قيل لكم؟ ماذا قال لكم أحمد سالم؟

ابراهيم فال: أن نستريح حتى إشعار جديد.

سؤال: أين تستريحون؟

ابراهيم فال: في المكان الذي كنا فيه.

سؤال: في القاعدة؟

ابراهيم فال: في القاعدة. وأحيانا نذهب إلى مراكش؛ 70 كيلو مترا من هناك.

سؤال: وهل التقيتم بالموريتانيين أثناء التدريب أم كانوا (القادة) يتجنبون التقاءكم بهم؟

ابراهيم فال: لا نلقاهم، لم نلق أحدا قط. كنا صادقين فيما نحن بصدده ولا يوجد لدينا سواه.

سؤال: وكم دامت استراحتكم؟

ابراهيم فال: 10 أيام تقريبا بعد التدريب.

سؤال: وكيف كانت فترة استراحتكم؟ حدثني عنها.

ابراهيم فال: أمضيناها في النوم والأكل واللقاء فيما بيننا ولعب الكرة وممارسة الرياضة شيئا ما لكي لا نسترخي.

بعد الاستراحة سيسافر هؤلاء إلى المهمة المستحيلة. في الحلقة القادمة سنتابع مع ضيفنا الكريم ما بعد التدريب العسكري. دمتم في أمان الله وإلى اللقاء. 

(عن قناة "الوطنية")