عشر مغالطات لا تخدم قضية لحراطين

 

د. السعد لوليد

عشر مغالطات وعقبات عن وعي أو جهل أو استغلال أو استخدام أو انتهازية لا تخدم قضية لحراطين.. ولحراطين ليسوا هم السود في موريتانيا.

أولا قضية لحراطين ومطالبهم العادلة ليست هي العبودية أو الرق وإرثهما الأليم الذي تمارسه كل القوميات في موريتانيا. فرق شاسع بين العبودية الإرث الإنساني الذي تمارسه كل القوميات والمكونات بما فيها العرب والزنوج ولحراطين، وبين قضية لحراطين المكون الثقافي والاجتماعي. 

ثانيا لحراطين ليسوا هم السود وحدهم، وتعمد الخلط بين المصطلحين هنا في موريتانيا فيه استغلال لقضيتهم واستخدام لمظلمتهم ولون بشرتهم لتمرير أجندات قوميات أخرى؛ فالعرب والفلان والسونينكي والولوف كلهم سود بالمفهوم الجغرافي والمورفولوجي.

ثالثا الربط بين قضية لحراطين والعبودية والصراع الحضاري القومي بين مكونات الشعب الموريتاني دون تمييز أو تحديد أو وعي لا يخدم لحراطين (الحلقة الأضعف والأحق والأكثر معاناة) فضلا عن كونه مضيعة للقضية وللحقوق، واستغلالا غير نزيه من طرف أصحاب تلك الأجندات القومية والعرقية والإثنية التي تقدمت أشواطا في المعرفة والثقافة والتنظيم والسلطة والثروة على لحراطين وباتت تستخدم اللون للغلبة العددية والعاطفة لتمتطي مظلمة لحراطين باسم "البشرة واللون" (السود) لوجاهة وعدالة القضية.

رابعا القضاء على العبودية (الرق) كممارسة وعقليات وتراكمات وكرامة إنسانية مهدورة لا يعني بالضرورة حل قضية لحراطين ولا مطالبهم المشروعة في العدالة والمساواة والمشاركة في إدارة شؤون وطنهم؛ والتي باتت تأخذ أبعادا ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وديموغرافية تلقي بظلالها على كل مفاصل الحياة في بلادنا وتفرض نفسها على أصحاب القرار والسلطة كعقبة كأداء أمام تنمية المجتمع وتطوره وتماسك نسيجه الاجتماعي.

خامسا قد لا يعلم أغلب أصحاب القرار والشأن العام أن معضلة لحراطين، أو ما يصطلح عليه نشطاؤهم بالقضية، هي معضلة باتت أخطر وأصعب حلحلة من قضية العبودية ومخلفاتها؛ وهي أهم المجاهيل وحجر الزاوية في أية معادلة سياسية أو مقاربة اجتماعية أو اقتصادية أو تنموية أو أمنية.

سادسا لم تعد قضية لحراطين بتلك القضية الاجتماعية المطلبية عند النشطاء والحركيين، أو الفزاعة عند الأنظمة، أو السلم المؤقت عند هواة ركوب مآسي وآلام الفئات المطحونة؛ بل أصبحت قضية مركزية جوهرية تفرض نفسها على البرامج والقرارت والسياسات المركزية، وترفض أن تختزل في أشخاص أو حركات أو مشاريع سياسية أو تسويات وترقيعات مؤقتة، حتى وإن كانت من لحراطين أنفسهم.

سابعا لم يعد يخفى أيضا على لبيب أو ذي بصيرة وعقل راجح أن هذه القضية الكبرى تتحول مع الوقت إلى بعبع وشماعة يمكن لكل متربص بهذا الشعب استخدامه لضرب وحدته وأمنه واستقراره، تماما كما تم استغلالها في الفترات الماضية واستخدامها خارجيا لتمرير أجندات لمجموعات وحركات لا علاقة لهم بها ولا بموريتانيا أصلا. وداخليا باتت فزاعة بين السلطة وكل من لم يسعفه حظه في الإدارة والسلطة والشهرة والنفوذ لابتزاز الدولة والمجتمع.

ثامنا ما لم يدرك لحراطين عموما - ونشطاؤهم خصوصا- أنهم هم أنفسهم باتوا جزءا من المشكلة، وأن الحلول لمعاناتهم الكبيرة والطويلة لا يمكن أن يصلوا إليها ما لم يصلوا إلى مفاتيح المظالم؛ وهي المعرفة والتعلم والعمل، وتغيير الذات والعقليات، وبناء أفكار جديدة، والإحاطة بالجوانب التاريخية والثقافية والاجتماعية لمعضلتهم، والتروي وعدم العجلة على قطف ثمار الحرية والعدالة، والاستفادة من تجارب الأمم والشعوب الأخرى التي تقدمت عليهم،، والتخلص من عقدة الشعور بالدونية والانتماء والعواطف القبلية والجهوية واللونية والاندفاع والتنطع.

تاسعا وما لم تدرك نخبة ونشطاء وشباب وطليعة لحراطين أيضا أن المظالم التاريخية والقضايا العادلة لا يمكن أن تجد طريقها إلى النور والحلول ما لم يستطع أصحابها أن يجمعوا حولها الضحية والجلاد، ولن تستطيع أية ثورة أو حركة أو قضية عادلة أن تنتصر ما لم يتصدرها أهل الفكر والمعرفة والثقافة من الطرفين، وما لم يحولوا أحزانهم وآلامهم إلى أفراح وسلوك تصافحي وتسامحي وتعايشي، ولكم في تجارب الأمم والشعوب التي سبقتكم خير مثال (ثورة الأنوار في فرنسا، والثورة الكوبية، وثورة هاييتي، والنضال في جنوب إفريقيا..).

عاشرا واهم أيضا من يظن من أصحاب السلطة والقرار أو من قادة المجتمع والنشطاء، أن معضلة لحراطين سوف تختفي مع الوقت، أو أن حلولها يمكن أن تأتي من خارج الحدود، أو أن التدويل هو أحد المخارج أو عوامل الحل، أو أنها ستظل محفظة ومطية لمن يستعذبون استخدامها واستغلالها بدل خدمتها وتقديم حلول حقيقة لها.

ذلك لأن تنامي الوعي بالحقوق، وعالم القرية، وسرعة انتشار المعلومة والخبر، وحرية ومشاعية الوسائط الاجتماعية، والثورة الرقمية ،وتراجع القيم الأخلاقية لصالح القيم المادية، وإكراهات المادة والظرف.. كلها أمور لم تعد تمنح مجالا كبيرا للمناورة واستغلال الوقت ما لم تكن هناك إرادة سياسية ومجتمعية صادقة ومخلصة وجادة في البحث عن حلول.

* تلكم هي ملاحظاتي.

* لحراطين.. ليسوا هم السود.

* امنحوا أنفسكم – شبابنا- الكثير من الوقت للإحاطة والتعرف على تاريخكم وتاريخ الشعوب، والمعرفة والاطلاع والمقارنة والصبر والتأدب قبل التدوين واستعجال ما لا يدرك كله ولا يحاط بكنهه.

(عن "الرائد")