مرافعة سوية في "ملف فساد العشرية"! (35)

 

هناك قضاة وقضاة!

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة. رجل عرف الحق فقضى به، فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم، فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق، فقضى للناس على جهل، فهو في النار». (رواه الأربعة، وصححه الحاكم).

هناك قضاة يعرفون الحق ويقضون به، ويخافون الله، ويحترمون القانون ويعملون لمصلحة الدولة والمجتمع! ونسأل الله لكم أن تكونوا منهم، وأن يوفقكم لخيري الدنيا والآخرة! وهناك قضاة يعرفون الحق ولا يقضون به، وقضاة لا يعرفون الحق ويقضون للناس على جهل! ونسأل الله أن يجيركم ويحفظكم من ذلكم المصير.

ولدينا نماذج من الجميع. ومن الغالب عندنا أن تحاول السلطة التنفيذية، إما مباشرة وإما بواسطة النيابة أو سلطة قضائية أعلى، أن تؤثر في قناعة القاضي وتحاول حمله على اتباع هواها، مع ضعف وهشاشة ما تدلي به من بينة، ولسان حال القاضي ينشد:

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له: ** إياك إياك أن تبتل بالماء!

وقد تحاول بعض دوائر القضاء الواقف أو الجالس ذلك أيضا لحاجة في نفسها؛ مدعية أنه أوامر عليا، دون أن يكون كذلك! فعلى القاضي أن يكون حذرا ويقظا! وكنت قد حدثتكم في إحدى الجلسات عن فضيلة القاضي محمد فاضل ولد محمد سالم (رحمه الله) الذي جرت محاولة حمله على إدانة أبرياء فاستعصم وأبى! ومما رابني أنكم استبعدتم حدوث مثل تلك المحاولات الآن! بينما هي على أشدها! أجارنا الله وإياكم من كل سوء ومكروه.

وأريد أن أحدثكم اليوم عن مثل آخر حصل مع فضيلة القاضي الفاضل والعالم الجليل والطبيب محمد الأمين ولد محمد بيب أطال الله في عمره. فلقد كان يرأس الغرفة المختلطة في صدر الثمانينيات. كانت في غاية الأهمية. وتم اعتقال زعيم سياسي ووجهت إليه تهمة ثقيلة. وأحيل إلى المحكمة. وعندها بدأت النيابة اتصالات مكثفة مع رئيس المحكمة نقلت إليه من خلالها خطورة المتهم وخطورة الوقائع ورغبة السلطة بأن يكون الحكم عليه قاسيا ورادعا. وكان يومها العقيد مولاي ولد بواخريص وزير العدل، وكان المتهم من شيعته. فما كان من القاضي إلا أن طمأن وكيل الجمهورية ووعده خيرا. وفي يوم الجلسة حشد السيد الوكيل جنوده، وأستخرج المتهم باكرا، وبدأ العد التنازلي لبلوغ ساعة الصفر التي سيصدر فيها القاضي حكمه القاسي الرادع.. فتكون تلك نهايته! ولكن القاضي كان حازما وذكيا فلم يحضر في الوقت الذي أراده الوكيل، لحد جعل الوكيل يفكر في استبداله بقاض آخر! لكن الأمر استعصى عليه، فبقي ينتظر قدوم القاضي على أحر من الجمر! أما فضيلة القاضي فقد توجه وجهة الوزارة بادئ ذي بدء وطلب مقابلة الوزير، ولما دخل عليه أجرى معه حديثا وديا عاما تم التطرق فيه إلى مشكلات القضاء في أعقاب توحيده وتعريبه، استطاع من خلاله أن يستشف عدم تدخل الوزارة في شؤون القضاء، وفهم أن المسألة كلها لعبة نيابة. فعاد إلى قصر العدل وافتتح الجلسة وعرض الملف فإذا هو فارغ من غير التهم السياسية والافتراءات البوليسية التي يجعل منها الادعاء قبة ويدافع عنها بحماس منقطع النظير! وهو متأكد من أن القاضي سوف يدين المتهم إدانة قاسية. أما القاضي فقد حكم بما أراه الله، وأطلق سراح المتهم!

وهناك قضاة آخرون من الشرق ومن الغرب تركوا عبرا ودروسا بالغة الدلالة يجب تدبرها من طرف أولي الألباب!

يقول ابن دريد في مقصورته:

وإنما المرء حديث بعده ** فكن حديثا حسنا لمن وعى!

ويقول سدوم ولد انجرتو مخاطبا فرس سيد أحمد ولد بكار "احديجَ":

ياحْدَيْجَ عارِفْ سيدْ أحْمَدْ ** بِنّْ الخَيْلْ البيظْ الزَّيْناتْ
إِموتُ واسْمَعْ زَيْنْ الـــرَّدْ ** أَلّا ايْتَمْ سالِم ما مــــاتْ.

وأقول بمناسبة محاكمة مماثلة:

حاشى المحاكم أن تكون مقاصلا ** أو أن تكــون أداة حقــد سافــل

فالعدل أولى، والبـــراءة فطـــرة ** والخير أبقى في الزمان الآجل!

سابعا: الطلبـــات

       سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

       بناء وتأسيسا على ما ذكرنا آنفا، نلتمس من محكمتكم الموقرة:

1. القول والحكم بعدم الاختصاص عملا بالمادة 93 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية،

2. وإذا رأت محكمتكم الموقرة غير ذلك لأسباب غير عادية، فإننا نلتمس منكم القول والحكم بكيدية وتزوير وانعدام وبطلان جميع إجراءات المتابعة وتبرئة الرئيس محمد ولد عبد العزيز وكافة المتهمين.

والله الموفق للصواب وإليه المصير والمئاب!

محمدٌ ولد إشدو

تم