مرافعة سوية في "ملف فساد العشرية"! (33)

 

يقول أبو الطيب المتنبي في درره:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص ** فهي الشهادة لي بأني كامل.

ومن المناسب في هذا المقام أيضا قول محمد ولد أبنو ولد احميدًا رحمه الله في محمد فال الذي هجاه ظلما وعدوانا وكانت "حكت شن اعلى خشبه":

هذي الطَّلْعَ شَمْتْ أُزَلَّ ** مِنْ مُحَمَّدْ فالْ افْمِلَّ

يَغَيْرْ اصَّ بَلْ العِلَّ ** لَڴامْ امْغَنّي فيهْ الفالْ

واسْكِتْ عَنْها راهُ خَلَّ ** مُحَمَّدْ فالْ ابْذيكْ الحالْ

وِيلَ جاوِبْها زَادْ أَلاّ ** حَدُّ جاوِبْ مُحَمَّدْ فالْ.

وزيادة على ذلك أود أن أسجل الملاحظات التالية حول ما صدر من ذلك الشيخ في حق الجميع:

- قول حسان بن ثابت رضي الله عنه ردا على أبي سفيان بن الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم حين هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ألا أبلغ أبا سفيان عني ** مغلغلة فقد برح الخفاء
هجوت محمدا فأجبتُ عنه ** وعند الله لي ولك الجزاء
هجوت مباركا برا حنيفا ** أمين الله شيمته الوفاء
أتهجوه ولست له بكفء ** فشركما لخيركما الفداء

- أن الانتماء لمهنة المحاماة الشريفة - أيا كانت وسيلته- يحتم على صاحبه محاولة الانسلاخ من نفسه والتحلي ولو بقليل من آداب وأخلاق ومهنية المحاماة؛ خاصة إذا كان قادما من بعيد.

- أن أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش العدو الصهيوني قد أخذ السبحة هو الآخر ولوى عمامة الوعاظ واستدل بآيات وأحاديث على عدوانية وإجرام وكفر حماس والفلسطينيين، وصلاح وحسن سلوك الإسرائيليين.. ولم يقنع أحدا، لأن الناس تعرف من هو أفيخاي أدرعي، ومن هي حماس ومن هم الفلسطينيون!

- ولن أذكر هنا قصيدة أحمد شوقي التي مطلعها:

"برز الثعلب يوما ** في ثياب الناسكينا"

فقد ذكرها في محلها الأستاذ الفاضل محمد ولد أحمد مسكه فأجاد وأفاد!

- أن ما تفوه به ذلك الشيخ تجاهي إنما أحمل مسؤوليته لاثنين من أصدقائي هما فخامة الرئيس الذي وكله وألّبه وعلبه، والنقيب إبراهيم ولد أبتي الذي أدخل اعتماده في صفقته مع الدولة، ولكم أيضا، السيد رئيس وأعضاء المحكمة الموقرة، الذين تركتم له الحبل على الغارب، ولم تحموا المتهمين ولا دفاعهم الذي كان يومها غائبا. ومن الناس من إن لم ينه فهو مأمور.

- أني "زبيته" بالسيد محمد ولد لمخيطير الذي يبدو أنه لم يقتنع بعد بورد مشيخة أهل الرايس!

- ثم إني أخيرا أعرف الحوضين، بل وأنتمي إليهما روحيا. وقد زرت مدينة تامشكط الحبيبة سنة 1969 وقضيت فيها أياما لا تنسى كان مما انطبع منها في ذاكرتي الشبه الكبير بينها وبين مدينتي العزيزة المذرذره، ونبل وشهامة وكرم سكانها. وقد حضرت خلال مقامي فيها في ضيافة حاكمها المثقف الديمقراطي الكريم محمدي ولد دحود (رحمه الله رحمة واسعة) مناظرة علمية رفيعة المستوى دامت أياما بين القاضيين الفاضلين السيدين سيدي عبد الله ولد الزين وأحمد ولد حكي (رحمهما الله) وبين حاكم المقاطعة المذكور حول إمكانية نزول الرواد الأمريكيين على القمر. يومها كان لدى موريتانيا الوليدة - رغم قساوة ظروف النشأة وقلة الوسائل- قضاة وحكام يملكون رصيدا وافرا من العلم والثقافة والذكاء، ولديهم اهتمامات أخرى غير اهتمامات أهل اليوم! وقد تعرفت في تلك الزيارة على الشيخ محمد ولد الرايس وبعض أفراد أسرته... كما تعرفت في تلك الآونة على رجل فاضل من أهل الحوض هو فضيلة القاضي ڴواد ولد محمد والسيدة الفاضلة والدته بنت بانّ، وعلى السيد كاتب الضبط والفتى الوجيه أحمد بنان، عليهم جميعا رحمة الله! وإني لأشهدكم على أن زلات الشيخ المربي فاضلي ولد محمد ولد الرائس معفو عنها ومغفورة من طرفي إكراما لذكرى فضيلة القاضي المرحوم - بإذن الله- ڴواد ولد محمد وأهل بيته!

سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

من السهل جدا أن يرمي جبان أسدا في قفص بحجر! أو أن تتهم خصمك إسقاطا بما تعرف في نفسك! ولكن هل لنا أن نتذكر قول رسول الله عيسى ابن مريم لأصحابه "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"! (إنجيل يوحنا 8: 7)؟ ولا أعني هنا الأشخاص وإنما أعني النظام!

فجميع الاتهامات التي صال وجال فيها السيد وكيل الجمهورية، وكانت تتعلق كلها بمشاريع عملاقة بادية للعيان ذات منفعة وطنية عامة قامت بإنجازها وضحت في سبيل إقامتها بالغالي والنفيس هذه الكوكبة الصالحة من قادة موريتانيا في عشريتها الذهبية؛ والتي اعتمد في تبخيسها ومحاولة تدنيسها على ما اختلقته ضبطيته وأعوانها من أباطيل ترهيبا وترغيبا، وتحت إشرافه المباشر وبتوجيهاته المخالفة للقانون، وعلى "أقوال" متهمين تم تعذيبهم حتى الجنون، وتم تغييبهم خارج الوطن كالمشري مثلا، وشهود من أهل النيابة ودفاعها ظهرت شهادتهم بالزور أمام المحكمة.. هذه الاتهامات كان ينبغي أن يدلي بها وكيل نيابة نظام جاء بأحسن مما جاء به ولد عبد العزيز في عشريته الذهبية!

"لَمْشَڴّر كتبتنا يكتب كتبة أزين منها"!

وإني لأجزم أن جميع ما بذله زملائي في الدفاع من جهد، وما جاؤوا به من علم وإبداع في مرافعاتهم، وما تحلوا به من صبر وشجاعة، كان دوره في نفي الاتهام الباطل عن موكلهم، وتدمير مواقع المتهِمين الهشة، أقل بكثير جدا مما أدته إنجازات عشرية ولد عبد العزيز، وسيرته العطرة، وصدقه وقربه من قلوب الناس؛ مقارنة بما تحقق في الخمسية الشهباء التي من بين رموزها - بين رموز شتى- جسر الحي الساكن الذي ما يزال في رحم الغيب!