استضافة موريتانيا للمهاجرين إلى أوروبا نبذ للسيادة وإلغاء للوجود

 

باباه ولد التراد

جاء في صحيفة "الخليج" الصادرة بتاريخ 25 فبراير 2023 أن "الاتحاد الأوروبي يدرس حالياً إمكانية إبرام اتفاقات مع دول ثالثة لاستقبال المهاجرين لوقف الهجرة إلى أوروبا.

وأكدت هذه الصحيفة أن عضو البرلمان الأوروبي تنك ستريك من كتلة "الخضر" كتبت على "تويتر": "للمرة الأولى في تاريخه يخطط الاتحاد الأوروبي لإبرام هذه الاتفاقات مع دول غير أوروبية".

وأشارت النائبة الهولندية إلى أن المفاوضات جارية بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا والسنغال".

ورغم أن هذه المعلومات صادمة وخطيرة فإنها لم تكن مفاجئة لمن يغارون على هذا الوطن ويتوجسون خيفة من ذلك السعي الحثيث المتعمد لتغيير الخريطة الديموغرافية لموريتانيا؛ حيث عمدت فرنسا منذ البواكير الأولى لغزوها لبلادنا إلى جلب وتجنيس الأجانب من السنغال ومالي، وبوركينا فاسو، وغامبيا، وساحل العاج.. وظل هذا التجنيس يتضاعف، حتى بعد الاستقلال؛ وهو ما أدى إلى تغيير البنية الاجتماعية للسكان، وما نجم عن ذلك من حدوث اضطرابات عرقية، ظلت عائقا أمام تقوية النسيج الاجتماعي وتعزيز الوحدة الوطنية والانسجام بين مكونات الشعب.

ونتيجة لما يترتب عادة على هذا النمط من الهجرة فقد حذر المخلصون للوطن من هذا السيل الجارف الذي تدعمه جهات تخدم ما دون الوطن مدعومة من قوى كبرى تعمل خلافا لمصالح الأوطان الضعيفة.

ومع ذلك ظلت هذه التحذيرات ينظر إليها بالشك والريبة، وبأنها دعوة عنصرية. ومن المفارقات أن الدول الأوربية الكبرى التي يقتدي بها البعض في مجال حقوق الإنسان والتسامح، ها هي تقف في وجه الهجرة وتسلك لذلك كل السبل؛ في حين لم يكن مقبولا - من وجهة نظر أعداء الوطن- لأبناء موريتانيا - التي لا تتجاوز عدة ملايين- أن يطلبوا من حكوماتهم المتعاقبة أن تقف بحزم في وجه موجات الهجرة القادمة من الجنوب، التي ستكون كارثة على البلاد إذا استمرت على ما هي عليه.

وقد نبه إلى هذا الخطر في وقت سابق القيادي البعثي الكبير محمد فاضل ولد سيدي هيبه، حين كتب مقالا شاملا عن هذا الموضوع في 17 من تموز 2019 تحت عنوان "الاستعمار الاستيطاني والمستقبل المخوف" ولأهمية هذا المقال فإننا سنقتبس منه بعض الفقرات، لأنها أكثر دقة وتعبيرا في هذا المجال؛ حيث يقول: "ليس الغرض من هذه المعالجة إثارة أية نعرة عنصرية، وليس رغبة في الخروج عن "الإجماع" على ترك قضية الهوية عموما مدفونة تحت طبقة كثيفة من الخوف؛ بل الرعب من إخراج البعبع العنصري من قمقمه. أرى - على العكس من هذا التعتيم المنهجي- أن غزو البلاد من طرف جماعات أجنبية أكثر إلحاحا لبالغ خطورته، وأضمن للانسجام المجتمعي أن يطرح للبحث الموضوعي والنقاش الجاد من عديد المواضيع (غثةً كانت أو سمينةً) التي تشكل الوجبة اليومية لكل من ينشط في المجالات الإعلامية والإدارية والسياسية والثقافية. عندما يكون التهديد تهديدا للوجود تصبح مواجهته أولوية وفوق كل اعتبار آخر..".

وبعد أن تحدث الكاتب محمد فاضل عن روتين التسلل والهجرة، حذر بقوة من أن الشعب الموريتاني قد يصبح أقلية في وطنه، وأعاد إلى الأذهان الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني بسبب الاستيطان.

لذلك نراه يقول: "تعْرِضُ شرطة حماية الحدود على شاشة الموريتانية هذه الأيام حيثيات إحباط عملية تهريب عشرات الأطفال القُصَّر من السنغال، واعتقال سائقين وأعضاء من شبكة التهريب المتورطة في العملية. إن الضخ المستمر للعناصر البشرية من الجوار الجنوبي إلى هذه البلاد الغافلة روتين يتكرر منذ عقود من الزمن. المسألة معروفة إجمالا لدى الرأي العام، لكن تفاصيلها غير مُطَّلَع عليها بسبب التعتيم الذي تضربه السلطات المتعاقبة من جهة، وتواطؤ الإعلام والسياسيين والنخب في الموضوع مع هذه السلطات من جهة ثانية. وليس تهريب الأطفال جديدا؛ فقد ظلوا يأتون في أعداد كبيرة ويمكثون في الشوارع..".

ويضيف الكاتب ولد سيد هيبه: "هذه مؤامرة ضد المكوِّن الرئيسي للشعب الموريتاني، تهدف إلى تحويله إلى أقلية في بلاده، أو حتى إلى القذف به خارجها مثلما وقع في تجارب وبلدان أخرى.. يعيد هؤلاء للأذهان الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني والتشرد الذي يعيشه منذ سبعين سنة في القصة المأساوية المعروفة لدى العالم أجمع. إن الطريقة واحدة في الحالتين؛ وهي الاستعمار الاستيطاني.

وما هو الاستعمار الاستيطاني؟ هو النوع الأخطر والأخبث من الاستعمار؛ حيث يعتمد في الأساس على زرع مجموعات بشرية أجنبية في البلد المستهدف، ثم إضفاء الشرعية عليها بعد ذلك؛ حيث يصبح من العسير - أو المستحيل- مقاومة هذا الغزو، لأن أية سلطة تجرؤ على ذلك ستصطدم بدول ومنظمات حقوقية معبأة سلفا لهذا الغرض. أما الاستعمار العسكري التقليدي - على فظاعته- فيمكن التخلص منه ولو طال، بواسطة المقاومة العسكرية والسياسية كما هو معروف تاريخيا..".

ورغم خطورة هذا الوضع وعلاقته الوثيقة بالسيادة والجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحتى الدينية، فإن حكوماتنا الموقرة لم تحرك ساكنا في هذا الموضوع، ولم تعط الانطباع في أي وقت أن هذا الأمر يستحق العناية، لكي يتشكل رأي عام يشعر بهذا التهديد الوجودي والحضاري.