مرافعة سوية في "ملف فساد العشرية"! (27)

 

المرحلة السرية: وهي الأكثر غموضا وتعقيدا وجراءة في الانقلاب القضائي. ونستطيع أن نسميها: عمل النيابة والضبطية القضائية.

ففي يوم الخميس 06/8/2020 أي اليوم الموالي ليوم الأربعاء الذي تمت فيه الإحالات الثلاث (وهو يوم ذو رمزية سياسية ربما كان تخليدها بهذه الطريقة وراء الاستعجال، لأنه اليوم الذي جرى فيه الانقلاب الذي جاء بالرئيس محمد ولد عبد العزيز وصحبه إلى السلطة سنة 2008) جرى حدثان أساسيان هما: الإطاحة بحكومة إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا كما أسلفنا، وتجسيد تعليمات وزير العدل حيمود ولد رمظان الذي لم يعد وزيرا للعدل في طلب إجراء بحث ابتدائي حول الوقائع الواردة في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية. فقد أصدر وكيل الجمهورية تعليمات إلى مدير شرطة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية يكلفه فيها بالقيام ببحث ابتدائي وبحث مالي مواز جاء فيها:

إلى ضابط الشرطة القضائية/ مدير مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية بالإدارة العامة للأمن الوطني:

نحن ... منسق فريق مكافحة الفساد بالنيابة العامة؛

بناء على التعليمات الصادرة إلينا من النيابة العامة، بموجب المحول رقم 1288/2020 بتاريخ 05/8/2020 الذي يحيل إلينا تقارير لجنة التحقيق البرلمانية، من أجل القيام بالمتابعات اللازمة.

وبعد الاطلاع على تقارير لجنة التحقيق البرلمانية: تقرير الصياغة – تقرير التحقيق والتدقيق القانوني والمالي المعد من طرف مكاتب الخبرة المنتدبة – تقرير التدقيق القانوني والمالي المعد من طرف خبراء محكمة الحسابات.

...

نكلفكم بمباشرة إجراء بحث ابتدائي حول الوقائع الواردة في التقارير المذكورة، والبحث عن المشتبه بهم، وعن كل من تظهر أدلة ضدهم، وموافاتنا بنتائج ذلك.

وتزامنا مع ذلك نكلفكم بإجراء بحث مالي مواز، بشأن الجوانب المالية ذات الصلة بالقضية، وعلى وجه الخصوص:

- تحديد واقتفاء متحصلات الجرائم تمهيدا لإخضاعها لإجراءات الحجز والتجميد والمصادرة.

- جمع الأدلة، على أن تشمل التحري حول جميع ممتلكات المشتبه بهم المنقولة والعقارية، والتعرف عليها، وجمع بياناتها الكاملة، بما في ذلك البيانات المصرفية.

وموافاتنا بذلك.

تجدون مرفقا بهذا التكليف تقارير لجنة التحقيق البرلمانية، وهي: تقرير الصياغة – تقرير التحقيق والتدقيق القانوني والمالي المعد من طرف مكاتب الخبرة المنتدبة – تقرير التدقيق القانوني والمالي المعد من طرف خبراء محكمة الحسابات".

الاسم والتوقيع.

ومن خلال هذا التكليف تتبادر أسئلة أخرى أكثر تعقيدا وأكثر إلحاحا، وتحتاج إلى ألف جواب وجواب! وهي:

- هل كان اختيار يوم الخميس 06/8/2020 عن وعي بما له من رمزية سياسية، أم كان ذلك محض صدفة؟ ولعل طابع الاستعجال في الإحالات الثلاث يعطي جوابا بالإيجاب على هذا السؤال!

- كيف أصبح تقرير اللجنة البرلمانية الواصل للسيد الوكيل ثلاثة تقارير بعد أن كان تقريرا واحدا، وكيف استخلص منه السيد الوكيل ما ذهب إليه من تعليمات مفصلة انصبت كلها أساسا على "التحري حول جميع ممتلكات المشتبه بهم المنقولة والعقارية.. إلخ". وعلى "تحديد واقتفاء متحصلات الجرائم تمهيدا لإخضاعها لإجراءات الحجز والتجميد والمصادرة.. إلخ". دون أن يقوم بدراسته، وعلى أي أساس تصرف؟ وهل كان للمادة 47 من قانون الفساد حضور في تلقائية وارتجال تلك التعليمات؟ أم إن اهتمامات القيادة الجديدة للحزب الحاكم وقلقها من ثروة الرئيس محمد ولد عبد العزيز كانت قد وصلت إلى كواليس العدالة؟ ولماذا الاستعجال في اتخاذ هذه الإجراءات في فترة ريبة لا يوجد فيها وزير عدل ولا حكومة؟

- ما هي التعليمات التي جاءت إلى منسق فريق مكافحة الفساد بالنيابة العامة من طرف رؤسائه، وهل هي كما ذكر "من أجل القيام بالمتابعات اللازمة" وإذا كانت كذلك، فكيف تسنى له أن يترجم تلك العبارة إلى الإجراءات الخطيرة التي قام بها في ظرف وجيز وقبل أن يطلع على التقرير الذي تحول بين يديه إلى تقارير، ودون أن يجد الوقت الكافي لإشراك فريقه في الأمر؟

- هل كان هو الآمر الناهي في هذا الملف؟ أم إن هناك فريقا آخر أكثر حميمية أعطى تعليمات أخرى أكثر تفصيلا من عبارة "من أجل القيام بالمتابعات اللازمة" ولديه خطة جاهزة في أمر أبرم بليل؟

وعلى كل حال، فإن ما هو أكثر دلالة وغرابة في هذا الملف هو ما جرى مباشرة بعد هذا التكليف تحت إشراف السيد وكيل الجمهورية، خاصة في أيام 07، 11، 12، 17!

* ففي يوم الجمعة 07/8/2020 الموالي، وعلى تمام الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، قام المدير المركزي لمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية ضابط شرطة قضائية مساعد السيد وكيل الجمهورية لدى محكمة ولاية نواكشوط الغربية بناء على تكليف وكيل الجمهورية المذكور بفتح محضر بحث تمهيدي ليس "حول الوقائع الواردة في التقارير المذكورة، والبحث عن المشتبه بهم، وعن كل من تظهر أدلة ضدهم" كما ورد صراحة في التكليف الوارد عليه من وكيل الجمهورية؛ بل "حول ممتلكات محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه...". وعلى هامش المحضر ملاحظتان. الملاحظة الأولى: "نوع القضية: تنفيذ أوامر النيابة العامة. والملاحظة الثانية: "محضر بحث حول ممتلكات محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه"!. وكان أول من استمع إليه في هذا المحضر الموثقُ محمد محمود ببكر/ أحمد معلوم الذي سئل: "هل وثقتم باسم الرئيس السابق أي عقد بيع أو تنازل"؟ فأجاب: "لم يتم في مكتبي توثيق أي عقد يتضمن اسم الرئيس السابق"! والثاني محمد المشري صالح المدير المالي لهيئة الرحمة الذي عذب حتى الجنون لكي يعترف على الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه، والذي صرح في مثوله الثاني أمام المباحث زوال يوم 15/8/2020 كي يدرأ عن نفسه العذاب قائلا: "فيما يخص تسييري لبعض أموال هذه الأسرة سأتعاون مع لجنة التحقيق تعاونا مطلقا من أجل تسهيل مهمتها". ثم غيب حتى هذه اللحظة! ولم يتم استدعاؤه أمام محكمتكم الموقرة! ومع ذلك لا يزال السيد وكيل الجمهورية ودفاع النيابة يستشهدون بأقواله!

يتبع