مرافعة سوية في "ملف فساد العشرية"! (25)

 

1. "فتنة المرجعية" (الانقلاب على الحزب الحاكم وتخريبه من داخله والسيطرة على زمامه).

فمن - يا ترى- قام بنميمة هذه الفتنة المشؤومة، وخلقها من عدم فأهلك بها الحرث والنسل؟ أهم الصالحون من أهل موريتانيا، أم المفسدون؟ إنهم معروفون بالأسماء والصفات والصور، ومعترفون بما جنوا، وقد حصلوا على مكافآت سخية في مقابل ما قاموا به، يعرفهم ويعرفها الجميع. وإليكم بعض اعترافات بعضهم بالصوت والصورة على بعض القنوات: "اخترنا أن نلتقي.. مجموعة من الأطر، وأول لقاء لنا كان يوم 11 في أكتوبر 2019 في ضاحية انواكشوط بمنزل القاضي فضيلي ولد الرايس. مجموعة من الأطر فيها محمد يحيى ولد حرمه، محمد ولد الرزيزيم، حمادي ولد اميمو، احبيب ولد اجاه، الأستاذ عالي.. سيدنا سخنا.. محمد محمود ولد داهي.. مجموعة كبيرة من الأطر، وقلنا إننا نحن هؤلاء ينبغي أن نشكل جناحا سياسيا جديدا للحزب، فقال بعضنا - وهو الأكثرية- إننا ينبغي أن نحتفظ بالحزب (UPR) لكن علينا أن نطوره. لكننا سننتظم في إطار ما سمي آنذاك تيار المرجعية، سننتظم في اجتماعات منتظمة. هنا صحيح أننا بدأنا نتخذ من منازلنا مقرات، واتخذنا مقرا مكاتب الأستاذ الحاج ولد أحمد سالم صرنا نجتمع فيه. وقررنا أن نتمسك بـ"UPR" كحزب، ونتوقف عن الدعوة لتغيير اسمه، ولكن نطالب بانفتاحه على القوى الجديدة (المفسدون الذين كانوا يحاربون النظام من خارجه) وأن نطوره من الداخل ويصلح من داخله، وفي هذا الإطار عدلنا عن قضية التسمية. الأساسي عندنا حسم المرجعية. المرجعية حسمت.. حسمها المنتخبون، وحسمها النواب، وحسمها رؤساء المجالس الجهوية، وحسمتها رابطة العمد، وحسمتها لجنة التسيير بعد اجتماعها مع الرئيس السابق... إذن نعتبر أن معركتنا حسمت لصالح ما كنا نطالب به في قضية المرجعية. وجئنا إلى المؤتمر كمنخرطين، كمناديب. لما وقع المؤتمر وأثمر قيادة أنا أحدها، نعتبر أن مسؤوليتنا أصبحت محسومة وحسمت، هي مرجعية الحزب؛ وبالتالي من ذلك الوقت وخطاباتنا في الحزب -"UPR" أمس، "الإنصاف" اليوم- نقول إنه حزب جديد برؤية جديدة وبفلسفة جديدة وبمرجعية جديدة".

2. الانقلاب البرلماني (لجنة التحقيق البرلمانية).

وبعد الانقلاب على الحزب، جاء دور البرلمان؛ حيث هب نواب معارضة العشرية يحتضنون نواب المأمورية الثالثة الذين بدلوا جلودهم للتو وانضووا تحت لواء "مرجعية" الرئيس محمد ولد الغزواني لما يئسوا من ثني الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن احترام الدستور ومغادرة السلطة! فانقلب الجميع على الدستور، وشكلوا "لجنة تحقيق برلمانية" ما أنزل الله بها من سلطان، تلقفها وسيطر عليها المفسدون وهي في المهد، فوظفوها في تحقيق مشروعهم؛ وابتزوا بها الأبرياء وأرهبوا بها الضعفاء، وجنوا بواسطتها المنافع والامتيازات. ولم تكن تلك اللجة لترى النور وتؤدي وظيفتها الانقلابية لولا التفاف مختلف أطياف وكتل النكوص حولها في حلف مصالح، والدعم الذي وفره لها محامو النيابة الذين حاولوا بجميع الوسائل إضفاء صبغة الشرعية عليها بالباطل؛ وذلك قبل أن يتبرؤوا منها أخيرا، ويحجبوا تقريرها عن العدالة متشبثين بحجية "قرار الإحالة" و"غربلة قطب التحقيق"! وقد نسفت هيئة دفاع الرئيس محمد ولد عبد العزيز جميع تلك الأباطيل والترهات، وأظهرت على رؤوس الأشهاد خلو "لجنة التحقيق البرلمانية" من أي شرعية مزعومة؛ سواء أكانت بسبب اعتبار النظام الداخلي للجمعية الوطنية قانونا نظاميا كما يدعي النقيب السابق، أم عن طريق وجود لجان تحقيق برلمانية في التشريع الفرنسي! (ينظر تمخض الجبل ثلاثا ولم يلد، السؤال السابع).

الانقلاب القضائي. (عمل النيابة العامة والضبطية القضائية)

وبرغم الحملة الإعلامية المغرضة الممولة والموجهة التي واكبت صدور تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية"، فقد جاء تقريرها خاليا من توجيه أي اتهام للرئيس محمد ولد عبد العزيز رغم ما بذله رئيسها من جهد مستميت في العثور على ما يؤسس به اتهامه (مسرحية جزيرة تيدره مثلا) ورغم حرص جل أعضائها المعروفين بعداوتهم للرئيس محمد ولد عبد العزيز على إيذائه! إلا أنهم كانوا يدركون جميعا أن لا سبيل إلى ذلك دون وجود بينة على ارتكابه الخيانة العظمى. وهذا ما صرح به نائب رئيس تلك اللجنة معالي الوزير الأول الأسبق الأستاذ يحي ولد الوقف الذي رفض التحقيقُ ورفضت محكمتكم الموقرة استدعاءه والاستماع إليه في هذه المسطرة.. حين قال: "عندما ينظر الإعلام إلى التقديم الذي قدم به النواب عملهم يرى أنهم لم يتكلموا عن العشرية، ولا عن النظام، ولا عن الرئيس. تكلموا عن قطاعات معينة يريدون التحقيق فيها. ثم إن رئيس الجمهورية ليس مسؤولا بشكل مباشر عن التسيير؛ فالدستور واضح في أنه لا تمكن متابعته حول تسيير أي مرفق من المرافق العمومية. فحسب الدستور لا تمكن متابعته إلا في حالة الخيانة العظمى. فالإعلام ركز على العشرية وعلى النظام.. وأخرج اللجنة عن نسقها الحقيقي". (مقابلة مع الأخبار في 01 فبراير 2020).

ومع ذلك كله، فقد استمر الاستهداف والتمالؤ المبيتان من طرف تحالف قوى داخلية وأخرى خارجية استعمارية وصهيونية، ظلت تعمل في الظلام على الانتقام من الرجل. وقد مثل تحالف المعارضة - وخاصة حزبي تكتل القوى الديمقراطية واتحاد قوى التقدم- ظاهرها الشبيه بظاهر جبل الجليد. واستمرا يضغطان من أجل تحريك الملف وإحالته بعد أن اختلقا له الأسباب "القانونية" ("الاستشارات والنظريات القانونية" و"الخطط التآمرية" و"فريق دفاع عن الدولة") بواسطة قياداتهما في سلك المحاماة وبعض حاضنتهما الاجتماعية من محامين وقضاة.. ومن شهود أيضا!

وفي نهاية هذا المطاف، أحيل تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" إلى وزارة العدل!

ومن خلال شهادة وزير العدل السابق الدكتور الأستاذ حيمود ولد رمظان أمام محكمتكم الموقرة يوم الثلاثاء 14/10/2023 تجلت بعض ملامح الانقلاب الذي أحدثته تلك الإحالة، وانجلى بعض غوامض هذا الملف المزور!

يقول معالي الوزير السابق إن تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" وصل إلى وزارة العدل بطريقة غير رسمية! (أي عن غير طريق وزارة العلاقات مع البرلمان) وأنه دعا طاقم وزارته لدراسته فعكفوا عليه ثلاثة أيام، وأجمعوا حوله على ثلاثة أمور هي: وحدة الجانب وعدم الموضوعية والتأسيس، أنه لا يوجد فيه ما يدل على ارتكاب أفعال مجرمة، أن رئيس الجمهورية السابق غير معني به من قريب أو بعيد لأنه يتمتع بحصانة مطلقة بموجب المادة 93 من الدستور، ولأن التقرير لا يوجه إليه أي اتهام! وقد حمل معالي الوزير هذه الخلاصة إلى رئيس الجمهورية الذي تفهمها وطلب منه أن ينقلها إلى الوزير الأول، وأن يحيل التقرير إلى النيابة العامة ويتابع الموضوع، ففعل. وكانت إحالته للتقرير يوم الأربعاء 5/8/2020 و"من أجل القيام بإجراءات المتابعة اللازمة".

وبإحالة تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" إلى النيابة العامة بأمر من رئيس الجمهورية لوزير عدله، جرى انقلابان ناعمان في موريتانيا:

يتبع