مرافعة سوية في "ملف فساد العشرية"! (17)

 

* مركز الدولة في دعاوى الفساد.

وفيه أكدنا أن المحاكم المختصة بجرائم الفساد، تعتمد في جبر الضرر على آلية تسميها "استرداد الأموال" بدلا من آلية تعويض الدولة عن الأضرار التي لحقتها، فيتم الاسترداد بطريق المصادرة لصالح الخزينة العامة؛ بدل الحكم بالتعويض للدولة كطرف مدني. وقد تتعدد المصطلحات المستخدمة لمفهوم الاسترداد في النظم الحديثة، وتدور كلها حول المفهوم نفسه؛ ففي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد يستخدم مصطلح "استرداد الموجودات" و"الاسترداد المباشر للممتلكات" وفي الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، يستخدم مصطلح "استرداد الممتلكات" وفي القانون التوجيهي المتضمن لمكافحة الفساد رقم 040/2015 استخدم مصطلح "استرجاع الأموال والممتلكات". إذن في جرائم الفساد يتم جبر الضرر – إن ثبت - بآلية الاسترداد الذي يتم بمصادرة الممتلكات، التي هي عقوبة تطالب بها النيابة العامة، وليس بآلية التعويض التي يطلبها الطرف المدني، لذلك لا مجال في جرائم الفساد لطرف مدني. وقد نصت المادة 5 من القانون التوجيهي المتعلق بمكافحة الفساد على أنه: "تسهر الدولة علي استرجاع الأملاك والأموال المختلسة او التي تم الحصول عليها بصورة غير شرعية من خلال وضع آليات للتجميد والحجز واسترجاع الأموال والأملاك الناتجة عن الفساد". ونصت المادة 30 من القانون رقم 2016-014 المتعلق بمكافحة الفساد على أنه "في كل الحالات التي يحكم فيها بإدانة الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين بإحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، فإن المحاكم المختصة تقضي بمصادرة كافة أملاك المحكوم عليه المتحصل عليها من ارتكاب هذه الجرائم مهما كانت طبيعتها لصالح الخزينة العامة". ثم إن الدولة كشخص معنوي تمثل في المجال الجزائي من طرف وكيلها، الذي هو مفوض الحكومة، ولا يمكن إذ ذاك أن تكون طرفا مدنيا في الوقت نفسه، لأنها حينها ستجمع بين صفة النيابة العامة التي تصنع الأدلة، وبين صفة الطرف المدني الذي لا يجوز له أن يصنع دليلا لنفسه. وبذلك لا يكون انتصاب الدولة طرفا مدنيا صحيحا.

* دعوى الشركات: إن شركتي سنيم وسوملك شركتان تجاريتان (شركتا مساهمة) ودعاوى الشركات التجارية ضد المسيرين أو الإداريين إنما يرفعها الشركاء وليس الشركة كشخص معنوي طبقا للمادة 253 من القانون التجاري، التي تنص على أنه "فضلا عن دعوى المطالبة بتعويض الضرر الشخصي، يحق للشركاء، فرادى أو جماعات، إقامة دعوى الشركة في المسؤولية ضد الإداريين والمسيرين، ويمكن للمدعين متابعة المطالبة بتعويض كل الأضرار التي لحقت بالشركة التي تمنح لها، عند الاقتضاء، التعويضات عن الضرر. ولأجل ذلك يجوز للشركاء ولمصلحتهم المشتركة، أن يكلفوا، على حسابهم الخاص واحدا أو أكثر منهم بتمثيلهم لدعم دعوى الشركة الموجهة ضد الإداريين أو المسيرين؛ سواء من حيث الطلب أو من حيث الدفاع. ولا يكون لانسحاب شريك - أو عدة شركاء- أثناء الدعوى، إما لكونهم فقدوا صفة شركاء أو لأنهم تخلوا بمحض إرادتهم، أي أثر على سير الدعوى المذكورة. وعند إقامة دعوى الشركة وفق الشروط المنصوص عليها في هذه المادة لا يمكن للمحكمة أن تبت فيها إلا إذا تم إدخال الشركة في الدعوى بشكل صحيح من طرف ممثليها القانونيين. والمحكمة المختصة للبت في دعوى الشركة هي التي يوجد بدائرتها مقر الشركة. ويتم تقديم التكاليف والأتعاب المترتبة على دعوى الشركة عندما يمارسها شريك أو عدة شركاء، من طرف الشركة. فلا يصح قيام الشركة كطرف مدني ضد مديرها أو مسيرها أو من يدلي به في القضية، وإنما يصح ذلك حصرا من طرف الشركاء، وحينها يتم وجوبا إدخال الشركة كمسؤولة مدنيا. وبذلك لا يكون انتصاب الشركات طرفا مدنيا صحيحا.

* غياب الضرر الشخصي المباشر. إن القيام بالحق المدني مشروط بوقوع ضرر شخصي مباشر، ولم يَدَّع أي من المنتصبين كأطراف مدنية تضرره تضررا شخصيا مباشرا، وقد نصت المادة 2 من ق ا ج على أنه "تقام الدعوى المدنية من أجل تعويض الأضرار الناتجة عن جناية أو جنحة أو مخالفة، وهي حق لكل شخص أصيب بضرر مباشر مترتب عن الجريمة".

وعلى هذه الأسس القانونية القوية الواضحة طلبنا - باسم موكلنا- من المحكمة الموقرة البت في هذا الدفع المتعلق بعدم قبول كل من: الدولة الموريتانية، والشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) والشركة الوطنية للكهرباء (سوملك) وخيرية سنيم أطرافا مدنية في الملف رقم 001/2021 لمخالفة ذلك للقانون، وأن يتم بتها بعد إتاحة النقاش طبقا للقانون.

ولقد تجاهلت المحكمة دفعنا وطلباتنا والنصوص القانونية الصريحة المؤسسة لما تقدمنا به إليها، وصرفت عنها النظر!

ب. آلية القيام بالحق المدني في موريتانيا؟

لقد أخذ المشرع الموريتاني بمبدأ تخيير المتضرر بين القيام بالحق المدني أمام أي القضاءين شاء (الجزائي والمدني) وهو المبدأ الذي أخذ به المشرع المصري، عن القوانين الأوروبية؛ وخاصة القانون الفرنسي. فنصت المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية على ما يلي: "يجوز القيام بالدعوى المدنية في نفس الوقت الذي تقام فيه الدعوى العمومية ولدى نفس المحكمة" وكذلك المادة 75 منه، ونصها: "يجوز لكل شخص يرى أنه تضرر من جناية أو جنحة أن يقوم صراحة بالحق المدني، وذلك بتقديم شكوى أمام قاضي التحقيق المختص". ونصت المادة 4 منه على أنه: "يجوز أيضا أن تقام الدعوى المدنية منفصلة عن الدعوى الجزائية أمام المحاكم المدنية".

يتبع