مرافعة سوية في "ملف فساد العشرية"! (15)

 

ب. أن الدفاع ليس النيابة ولا طرفها المدني الذين تفسحون لهم دائما مجال الكلام، ولا يعرف شيئا عن طبقات الجواسيس من القضاء والمحامين كما ادعى بعضهم أمامكم! ولكن الدفاع طرف. وطرف أساسي ومعتبر وحقوقه مقدسة مصانة. ومن أجله وجدت المحاكم. والقضاة ليسوا موظفين عموميين، ولا سلطة اتهام، ولا طرفا.. بل حَكَم يقضي بالحق، وله حقوقه دون منازع، وعليه واجبات منصوصة من أهمها ما يلي:

- جاء في نص التنزيل: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل. إن الله نعما يعظكم به..﴾. وجاء فيه أيضا: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى..﴾.

- وعلى هدي وعدل ما جاء به رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم من عند ربنا، كان التبين والتثبت فريضة، فقال جل من قائل: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا..﴾. وقد جاء رجل إلى الخليفة عمر يشتكي وقد فقئت عينه. فقال عمر لأصحابه: انظروا من فقأ عينه، فقد يكون فقئت عيناه.

- وفي رسالة الخليفة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري، وهي منشورة، ومنحوتة بساحة هذا القصر عند مدخل هذه المحكمة الأيسر، ويرفرف عليها العلم الوطني.. ورد ما يلي: "آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك (والشريف هنا هو النيابة وجيشها، والضعيف هم المتهمون). البينة على من ادعى واليمين على من أنكر... ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهُديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل... وإياك والقلق والضجر والتأفف بالخصوم، فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ويحسن به الذكر"!

- وقد عزل الخليفة علي بن أبي طالب أبا الأسود الدؤلي: بعد ساعة من توليته إياه القضاء، فقال له أبو الأسود: لم عزلتني؛ فوالله ما خنت ولا جنيت؟! قال: بلغني أن كلامك يعلو كلام الخصمين إذا تحاكما إليك" (من كتاب أدب القاضي لابن القاص).

- وقد سبق أن جادلناكم بما نصت عله المادة 7 من قانون التنظيم القضائي فلا داعي للاحتجاج بها من جديد. وكذلك ما جاء في المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية!

- وجاء في المادة 32 من القانون الأساسي للقضاة في فقرتها الثالثة: "كل قاض يمتنع عن تطبيق القوانين والنظم المعمول بها يكون قد ارتكب خطأ تأديبيا جسيما يمكن أن يعرضه للعقوبة الواردة في البند السابع من المادة 34 من هذا القانون".

ج. أن دفاع الرئيس محمد ولد عبد العزيز يدعوكم إلى تجاوز الماضي والتعاون لإصلاح وتسيير ما بقي من هذه المحاكمة، وفتح صفحة جديدة عنوانها تحكيم النصوص القانونية والشرعية، إذا كان ذلك ممكنا. أما إذا استحال بسبب وجود إرادة مبيتة لإقصائه، وانتهاك الدستور وخرق سنن الشرع والقانون، فإننا نؤكد لكم أننا لن نحابي أو نساوم في ذلك، ولن نقبل أن نكون أداة لتشريع وتبييض ظلم موكلنا. وسننسحب من قاعة المحاكمة حتى يتم تقييم ما اعوج وإصلاح ما فسد، ويكون القانون والشرع الفيصل بيننا!

... وبفضل تدخل كوكبة من العمداء والزملاء وبتدخل مباشر من السيد النقيب تمت تسوية الخلافات بيننا والاتفاق على أدنى حد من التعاون من أجل حسن سير المحكمة!

وفجأة عدتم بنا إلى المربع الأول فقاطعتموني مرارا خلال مرافعتي، وكلفتموني ما لا أطيق، ثم قطعتم محاكمتي بقرار أصدرتموه على الكراسي في غيابي حرمتموني بموجبه من الإدلاء ببقية ما لدي من حجج دفاعا عن موكلي مظلوم؟ فأين التمكين من تقديم جميع وسائل الدفاع المنصوص في المادة 7 من قانون التنظيم القضائي؟ أين الحضورية المنصوصة في المادة التمهيدية من ق.إ.ج؟ وهل استمعتم لي قبل اتخاذكم قرارا على الكراسي بإنهاء مرافعتي؟ وأين مبدأ الغائب على حجته؟ أو ألم تعد توجد ظروف قاهرة يرتب عليها القانون ما توجبه، ويراعيها القضاء؟  وأين التسوية بين الخصمين؟

من تاريخ العرب أبناء عم العميد المختار ولد اعلي، وأبناء عمكم أيضا، أن أحد ملوكهم كان له يومان يوم نعيم، ويوم بؤس. فلا يلومن القادم عليه في يوم بؤسه إلا نفسه!

ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه بلباقة منقطعة النظير أحدهم في عتاب موجه إلى الأمير، حين قال:

ذاك الا معط مـــلان       ومنعو مـــا فيه الخيان

أحمد سالم سند اغنان     شفتو بعد إعدل لهموم

للكوم الي كيــف وان      مـاه آن دون فيه الكوم

امغرش بعد أنو موثوق    وامغرش زاد أن معلوم

غير أمنادم باطل مرزوق  ماه كيف أمنادم محروم

 ويحكى أيضا أن ملكا كان له تابوت يعامل الناس على مقاسه! فإذا كان الشخص أطول من التابوت أخضع لعمية تقصير، وإذا كان أقصر من التابوت مُطّ مَطّا مؤلما حتى يصبح على مقاس التابوت! وفي ذلك يقول الحسن ولد حيمد:

وهذا من تعظيم التصغير   وهذا من تصغير التعظيم

وهذا من تقديم التاخير   وهذا من تأخير التقديم

ذاك امايـر عن تدميـــر    الدنيــا واماير لهديــم

فعاملوا الدفاع على قدرهم، لا على ما تودون أن يكونوا! فالله غالب على أمره!

يتبع