مرافعة سوية في "ملف فساد العشرية"! (14)

 

10. الضجر من دفاع الرئيس محمد ولد عبد العزيز وإهانته على رؤوس الأشهاد وتهديده بالحبس وبالتعامل معه كمجرمين! وذلك خرقا لجميع المبادئ والقواعد والنصوص القانونية المعمول بها؛ وخلافا لما سنه من إجراءات عادلةٍ الخليفتان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، ولما ورد من نصوص قانونية؛ وخاصة في المادتين 44 من قانون المحاماة، و32 من القانون الأساسي للقضاة! الشيء الذي حملني مكرها على الاحتجاج أمام محكمتكم الموقرة على مثل هذه المعاملة الشاذة، فقلت في جلسة يوم 25/09/2023 ما يلي:

سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة.

قلَّ يوم من أيام جلسات محكمتكم الموقرة لم أتقدم فيه وزملائي بطلب الكلام لنعترض على خطأ فادح، أو على انتهاك خطير، أو لنوضح غامضا، أو لنقدم ملاحظة جوهرية لا غنى عنها حفاظا على حقوق موكلنا. وقد دأبتم على معاملة طلباتنا إما بالتجاهل المهين، وإما بالرفض الفج، وإما بسحب الإذن لنا بالكلام سحبا عنيفا ومستفزا وغير مبرر. وفي أحد الأيام هددتموني شخصيا بإلقائي في السجن "نزرگك في الحبس"، وفي يوم آخر كررتم ذلك التهديد فقلتم إنكم ستتعاملون مع الأمر وتنفذون القانون إذا بلغ درجة الإجرام! وتفضل أحد زملائي الأعزاء الذين لديهم الحق في الكلام متى شاءوا فتقدم أمامكم بإبلاغ عني دون أن يذكرني بالاسم فقال إن في هيئة الدفاع من يكتبون ويسجلون... ولم تسمحوا لي بالرد على تهديداتكم المخالفة لجميع الشرائع والقوانين، ولا على إبلاغ زميلي العزيز؛ وإني لأعترف أمامكم أني أكتب وأصرح وأسجل. وهذا حقي الذي تحميه جميع الشرائع والقوانين! ولن أتنازل عنه!

وفي يوم آخر اقترحتم علي أن يتكلم غيري من هيئة دفاع الرئيس، وكأن الضجر قد بلغ حد عدم احتمالكم سماع صوت منسق دفاع الرئيس؛ الأمر الذي جعل إحدى بناته تسألني مستغربة عما إذا كانت بيننا عداوة قديمة! وقبل ذلك بأشهر، طلبتم من موكلي أن يغير دفاعه، وكأنكم نسيتم حرية اختيار المدافع المنصوصة في المادة 7 من قانون التنظيم القضائي.. وحرية الدفاع أيضا!

وكنت ألوذ في كل مرة برصيد من الصبر، عملا بقوله تعالى: ﴿وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور﴾!

ولكن الأمر تطور إلى الأسوأ في جلستكم الأخيرة حين أهنتموني وأسأتم علي إساءة علنية سجلتها الصحافة ونشرتها، حين قلتم لي وأنتم في حالة غضب وضجر: "أنت تفضح نفسك بنفسك" ولم تقدموا دليلا واحدا على دعواكم. اللهم إلا إذا كان طلبي الكلام لأمارس حقي في الدفاع عن موكلي.. وهو حق مقدس ومنصوص وثابت! وقد نبهكم نقيب المحامين بلباقة وحزم على أن حقوق الدفاع ثابتة ومقدسة وعليكم احترامها.

سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

إن هذه الإهانة المجردة لا تمثل إساءة على المحامي، بقدر ما هي إساءة على القضاء، ونيل من هيبته؛ وتشكل خطأ تأديبيا نصت عليه المادة 32 من النظام الأساسي للقضاة في فقرتها الأولى فقالت: "كل تصرف من قاض يمس من الشرف أو يتنافى مع اللياقة والرزانة يشكل خطأ تأديبيا". وبالتالي فأنا لا أطلب منكم سحبها، ولا الاعتذار عنها إلا في نطاق جبر الضرر الذي ألحقته بمرفق القضاء.

وأكتفي هنا فقط بتنبيه أصحاب الفضيلة القضاة على خطأ وخطورة طريقة التعامل التي يتعاملون بها مع الدفاع في هذه المحاكمة. ولدي ثلاث ملاحظات أريد تسجيلها وهي: 

أ. أن صديقي الفاضل وعميدي الأستاذ الطالب اخيار ولد محمد مولود سبق أن صرح أمامكم في هذه القاعة، بأننا في هيئة الدفاع رجال قانون محترمون في مجتمعنا، ولنا كرامة وسمعة إنسانية ومهنية نود الحفاظ عليها، ولدينا أبناء وبنات وأسر كريمة نسعى ما بوسعنا إلى الحفاظ على شرفها ومجدها التليد، وأن لا نجلب لها العار! يضاف إلى ذلك كوننا نمثل مؤسسة محترمة ومصونة الحقوق هي مؤسسة الدفاع، ونتمتع بحصانة قانونية تكرسها المادة 44 من قانون المحاماة التي تقول: "يعد المحامي ضمن أمناء السلطة المشار إليهم في المادة 204 من القانون الجنائي. ويعاقب الاعتداء عليه أثناء ممارسته مهنته أو بمناسبتها أو بسببها بعقوبة الاعتداء على القضاة المنصوص عليها في المادتين 204، 205 من القانون الجنائي. لا يمكن أن يترتب على ما يباشره المحامي من إجراءات لصالح موكله أو ما يبديه من آراء أثناء ممارسته مهنته أو بمناسبتها أي دعوى ضده... وقد سبقناكم بالإيمان والعمل في هذا الحقل بأمد كبير، وشاركنا في عشرات المحاكمات الجنائية برئاسة قضاة فضلاء ومحترمين: محمد الأمين ولد محمد بيب، محمد فاضل ولد محمد سالم، محمد محمود ولد غالي، أحمد محمود ولد محمد الحُمَيْد، محمد الهادي ولد محمد.. وغيرهم، وكان النظام يناصبنا يومئذ العداء، فلم نهن من طرفهم، ولم نحتقر، ولم تهدر كرامتنا أمامهم؛ بل عاملونا بكل احترام واعتبار، وبادلناهم الشعور نفسه والمعاملة نفسها.. وكانت مكاتبهم ومجالسهم مفتوحة أمامنا وأمام النيابة على حد سواء! علما بأن القضايا التي رافعنا أمامهم فيها كانت قضايا سياسية خطيرة جدا تتجاوز بكثير هرج ومرج هذه القضية! وعليه، فإنه يستحيل علينا أن نقبل في هذا العمر الاستكانة، أو نقبل الخنوع للإساءة صباح مساء، مهما كلفنا ذلك من ثمن!

يتبع