مرافعة سوية في "ملف فساد العشرية"! (9)

3. انعدام وبطلان جميع إجراءات التحقيق لممارستها من غير ذي صفة، ولمخالفتها للقانون، ولما جرى فيها من غش وتدليس هي الأخرى.

إن فريق التحقيق الذي تم انتقاؤه عن وعي و"تَبَصُّر" من طرف المجلس الأعلى للقضاء السابق على إحالة ملف بهذا الحجم وهذه الأهمية إلى القضاء، يتشكل من ثلاثة قضاة شباب مغمورين! وقد تميز أداؤه بميزتين أساسيتين:

الميزة الأولى، أنه "عمل غير صالح" لأنه جرى خارج القانون المنشئ والمنظم للفريق. وهو المرسوم رقم 017/017! فجاء عمله في هذا الملف وغيره منعدما وباطلا بطلانا مطلقا، لأنه صادر من غير ذي صفة بقوة ذلك المرسوم. وشرط النهايات تصحيح البدايات! (الملحق رقم 1 المرسوم رقم017/017)

والميزة الثانية، أن عمل "التحقيق" الذي قام به جرى خارج نصوص دستور وقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، حيث جاءت جميع الأوامر الصادرة عنه في هذا الملف (أزيد من 40 أمرا) مخالفة لصريح القانون ومطابقة لطلبات النيابة المخالفة للقانون! (الملحق رقم 2 مجموعة نحو 50 أمرا وقرارا مخالفة للقانون سلمها الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى المحكمة في جلسة 27/11/2023).

وعلى الرغم مما عليه الإجماع من أن القاضي خليفة الله في أرضه، وأنه ليس مشرعا ولا طرفا ولا باغيا؛ بل الفم الذي ينطق بالقانون، ويشترط فيه وجوبا العلم والورع، وهو محمي عندنا بنص المادة 90 من الدستور، وتقول: "لا يخضع القاضي إلا للقانون، وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه". فقد كان عمل فريق التحقيق في هذا الملف كالآتي:

- تنص المواد 9، 10، 13، و11 من المرسوم رقم 017/2017 الصادر بتاريخ: 15 /02/ 2017 المطبق لقانون محاربة الفساد؛ والذي "يحدد إجراءات تنظيم وسير عمل فرق النيابة العامة والتحقيق لمكافحة الفساد" على ما يلي: "تَعْيين القاضي المكلف بالتحقيق في مكافحة الفساد: يُوَجَّه طلبُ إجراء التحقيق الصادر عن وكيل الجمهورية والأوراق المرفقة إلى منسق الفريق من أجل تعيين القاضي المكلف بالتحقيق في الملف" (المادة 9)؛ "قاضي التحقيق المكلف بالقضية يبت بصفة فردية في جميع إجراءات التحقيق ذات العلاقة" (المادة 10)؛ "يُعَيِّنُ منسق الفريق بأمر قضائي من بين أعضاء الفريق - بعد استشارة أعضاء الفريق الآخرين- القاضي المكلف بإدارة التحقيق" (المادة 13 فقرتها الثانية)؛ "ويحكم بالقرار في جلسة علنية" (المادة 11). فكل هذه المواد وغيرها من المرسوم المذكور تجاهلها ولم يعمل بها منسق فريق التحقيق، واستحوذ على جميع الصلاحيات لنفسه؛ بحيث أصبح القاضي الذي يدير التحقيق والقاضي منسق فريق التحقيق في آن واحد. ولم يصرح بأمر أو قرار واحد أبدا في جلسة علنية! وكذلك فعل منسق فريق النيابة الذي استحوذ بدوره على جميع الصلاحيات دون فريقه خرقا للمادتين 4 و5 من المرسوم نفسه! وقد اعترف السيد وكيل الجمهورية بذلك في ردوده الأخيرة أمام محكمتكم مدعيا ما ذهبت إليه غرفة الاتهام من أن العمل الجماعي أضمن للعدل! وهذا هو محض انتهاك وإلغاء القانون، ونكران العدالة.      

- وتنص المادتان 4 و93 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية على ما يلي: "القانون هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب، ويجب أن يخضع له الجميع (المادة 4)؛ "لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية". (المادة 93) وقد تم إلغاء هاتين المادتين الدستوريتين وغيرهما من النصوص القانونية من طرف فريقي التحقيق والنيابة وذلك حين ورطا واقتادا واتهما وأحالا رئيسا سابقا للجمهورية ذا حصانة دستورية صريحة وواضحة وضوح الشمس تمنع مساءلته عن غير الخيانة العظمى، ويتمتع بامتياز قضائي لا يجعل للقضاء العادي أي سلطان عليه!

- وتنص المواد: التمهيدية و123 و138 من قانون الإجراءات الجنائية في مجال صيانة الحريات الفردية على ما يلي: "يجب أن تكون الإجراءات الجنائية عادلة وحضورية وتحفظ توازن حقوق الأطراف، ويجب أن تضمن الفصل بين السلطات المكلفة بالدعوى العمومية والسلطات المكلفة بالحكم. يجب أن يحاكم الأشخاص الموجودون في ظروف متشابهة والمتابعون بنفس الجرائم وفقا لنفس القواعد". (بعض ترتيبات المادة التمهيدية)؛ "يمكن أن يوضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أية مرحلة من مراحل التحقيق لمدة شهرين قابلة للتجديد خمس مرات، لأجل ضمان حضوره...". (المادة 123)؛ "لا يجوز لقاضي التحقيق أن يأمر بالحبس الاحتياطي إلا إذا كان له مبرر؛ سواء كان ذلك لخطورة الوقائع أو للمنع من إخفاء أدلة الجريمة، أو للخوف من هرب المتهم، أو للخوف من ارتكاب جرائم جديدة...". (المادة 138). وقد خرق فريق التحقيق جميع هذه النصوص الآمرة؛ وذلك:

* حين كانت جميع إجراءاته غير عادلة ومخالفة لصريح القانون، وغيابية في معظمها، وتنتهك حقوق المتهم، وتحابي سلطة الادعاء العمومي وتتماهى مع طلباتها، وتستهدف متهما بعينه دون غيره ممن يوجدون معه في ظروف متشابهة ويتابَعون معه في المسطرة نفسها.

* حين لبى طلب النيابة بوضع المتهمين قيد مراقبة قضائية باطلة، لأن المشرع إنما سن المراقبة القضائية "لأجل ضمان حضور المتهم"! وليس لأجل إهانة وإذلال رئيس سابق وأعضاء حكومة منصرفة تتوفر فيهم جميع ضمانات الحضور! وللمراقبة القضائية في هذا الملف السياسي الخاص قصة خاصة أخبر بها فخامة رئيس الجمهورية الحالي أخاه وصديقه فخامة رئيس الجمهورية السابق عن طريق وسيط انتدبه لإصلاح بينهما. فقد كانت الجهة التي تشرف على إدارة الملف تريد حبس جميع من تمت إحالتهم إلى القضاء، ولكن رئيس الجمهورية الذي لا يتدخل في شؤون القضاء، رفض حبس المحالين! فما كان من الخلية إلا أن احتجت قائلة: إن القضاة الذين أشرفوا على البحث واكتشفوا أبعاد هذه الجريمة الخطيرة يصعب إقناعهم وإقناع الرأي العام بعدم حبس هؤلاء المجرمين! ولما رأوا أن الرئيس يرفض حبس المتهمين أخرجوا له من قبعاتهم "وصفة" المراقبة القضائية غير الشرعية بديلا مرحليا على الأقل بخصوص المستهدف الأول!

* حين حبس ظلما متهما لا يتوفر في حقه أي شرط من الشروط الأربعة الواردة في المادة 138؛ وذلك نزولا عند رغبة النيابة! وليس هذا فحسب؛ بل إن فريق التحقيق فرّط في رعاية وحماية حقوق المحبوس على ذمته، وفق ما تنص على وجوبه من رعايته المادة 651 من قانون الإجراءات الجنائية فتقول: "يقوم قاضي التحقيق وقاضي تنفيذ العقوبات ووكيل الجمهورية والمدعي العام لدى محكمة الاستئناف بزيارة مؤسسات السجون الواقعة في دائرة اختصاصهم" وسلمه "على بياض" إلى إدارتي الأمن والمخابرات اللتين أمعنتا في تجريده من جميع الحقوق الإنسانية وسعتا لتصفيته؛ مما يجعل فريق التحقيق شريكا في تلك الأفعال المريبة التي سيتم الكشف عنها ومساءلة مرتكبيها؛ إن عاجلا أو آجلا! يضاف إلى ذلك ما ابتدعه ذلك الفريق من مفاهيم وإجراءات ما أنزل الله بها من سلطان في حق موكلنا تلبية لطلبات النيابة ونزولا عند رغباتها مثل "المراقبة القضائية المشددة" و"تجددها تلقائيا" وتحديد من يسمح لهم بالاتصال بالمراقَب قضائيا؛ بدل تحديد من لا يسمح لهم، وهي كلها تعسف وشطط مخالف تماما لنصوص المسطرة الجنائية الصريحة التي تحكم المراقبة القضائية!

يتبع