مرافعة سوية في "ملف فساد العشرية"! (2)

 

أولا: انعدام وبطلان هذه المحاكمة بقوة نص دستوري هو المادة 93!

سيدي الرئيس،

السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾. والعقود هي العهود. والدستور عقد اجتماعي وثيق، وعهد سام مسؤول! 

ومن البديهي أن هذه المحاكمة منعدمة وباطلة من حيث الأساس، ولا أثر لما يصدر عنها أيا كان، إلا أن يكون قرارا بعدم سماع الدعوى لعدم اختصاص القضاء العادي في اتهام ومحاكمة رئيس الجمهورية، ولامتناع مساءلة رئيس الجمهورية - سواء أكان سابقا أم لاحقا- عن غير الخيانة العظمى! وذلك بقوة نص المادة 93 من الدستور التي تقول الفقرة الأولى منها حرفيا: "لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية".

اللهم إلا إذا كانت هذه المادة غير موجودة أصلا في دستور 20 يوليو 1991؟ أو كان قد تم إلغاؤها أو تعديلها! ومتى؟ وكيف؟ أو كان في فقرتها التي أدلينا بها أمامكم لبس أو غموض حتى تؤول أو تفسر! ومن طرف من؟ أو إذا كان قانون المرافعات الجنائية الذي اعتمد البرلمان - بموجب استشارة أخرى، وفي عهد الانحطاط تكثر الفتاوى والاستشارات- على المادة 36 منه أساسا لتعهيد القضاء العادي، قد أصبح أسمى من الدستور! أو صار وكيل الجمهورية المتهِم في هذا الملف هو الجمعية الوطنية، وصارت محكمتكم الموقرة هي محكمة العدل السامية! أو كان من صلاحيات القاضي إلغاءُ الدستور!

﴿فأين تذهبون﴾؟

سيدي الرئيس،

السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

إن من أهم الخرافات المؤسسة لهذه الدعوى الكيدية تلك القائلة بمسؤولية رئيس الجمهورية في موريتانيا عن غير ما استثنته الفقرة الأولى من المادة 93 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية، التي حصرت ما هو مسؤول عنه أثناء ممارسته لسلطاته في الخيانة العظمى فقط. وقد جاء القائلون بهذه الخرافة ببدعة "الأفعال المنفصلة". وعلى أساسها أجازوا بدعة أخرى هي اتهام رئيس الجمهورية ومحاكمته من طرف القضاء العادي قياسا على الفقه الفرنسي وعلى أحكام الدستور الفرنسي المعدل سنة 2007! مع العلم بأن موريتانيا ليست فرنسا ولا هي تابعة لفرنسا، ولا نريد - أو نتمنى- أن تسير في فلك فرنسا منهارةٍ ومدحورةٍ؟

وقد بينا لمحكمتكم الموقرة، ولمن جاؤوا بهذه الخرافات والبدع، خطأ وخطل ذلك، وشرحناه وفصلناه يوم دفعنا أمام محكمتكم الموقرة بالمادة 93 من الدستور في بداية هذه المحاكمة. وقلنا لكم إن محكمتكم الموقرة لا تملك أي أساس قانوني يخولها محاكمة رئيس جمهورية سابق لديه حصانة دستورية صريحة نصت على عدم مسؤوليته عن غير الخيانة العظمى، ولكون الاختصاص في اتهامه ومحاكمته بها مخولا بالنص الدستوري نفسه للبرلمان ومحكمة العدل السامية؛ وبالتالي، فلا علاقة له البتة بالقضاء العادي، لا من حيث الاتهام ولا من حيث المحاكمة! وطلبنا من محكمتكم الموقرة التصريح في أول وهلة ببطلان مساءلة موكلنا، وبامتناع اتهامه ومحاكمته من طرف القضاء العادي!

وكان حريا بمحكمتكم الموقرة أن تثير هذا الدفع من تلقاء نفسها، قبل أن يثيره الدفاع، لتعلقه بالنظام العام.. بدل أن تتعامى وتتصامم عنه وتضمه إلى الأصل. الأمر الذي لا يجوز إجرائيا، إضافة إلى كونه إمعانا في انتهاك الدستور، والتمادي في حبس واضطهاد وإهانة ومحاكمة من ليست قاضيهم الطبيعي!

وقد أشبع زملائي الأعزاء هذه المسألة بحثا وتمحيصا وتوضيحا في مرافعاتهم السنية أمام محكمتكم الموقرة، حتى أصبحت كالشمس في رابعة النهار. وكنت قد قمت بدوري بالتصدي لجلْيِها بصفتها حجر الزاوية في هذا الملف؛ وذلك في عمل تطرقت فيه لثلاثة آراء متداخلة في الموضوع، هي: ما جاء في استشارة الأستاذ الفاضل الدكتور محمد محمود ولد محمد صالح حول الوضع القانوني والقضائي لرئيس الجمهورية، والنقطة الخامسة من بيان تعهد الستين محاميا، ورأي الأستاذ النقيب السابق، واختتمت الحديث بنشر نص تلك المادة العنيدة التي يتحاشى دفاع النيابة ذكرها. وهذه بعض أجزاء ذلك العمل:

يتبع بإذن الله