الطغيان في "دولة القانون"* (2/ 3)

 

في قصر العدالة!

 

فترة الحراسة النظرية ثمان وأربعون ساعة انتهت ظهر يوم الثلاثاء، وهي قابلة للتمديد ثمانا وأربعين ساعة أخرى بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية، (مادة 56 ق. إ. ج) لا أثر لإذن بتمديدها في الملف. (ادعى وكيل الجمهورية أمام المحكمة الجنائية بانواكشوط ضياع أمر بالتمديد من الملف)!

في حدود الرابعة من يوم الخميس – نهاية الأسبوع- خلا قصر العدالة من القضاة والمتقاضين.

بعد ذلك بساعة طوقته الشرطة مدججة بالسلاح فتحول إلى ميدان حرب.

في هذا الجو اقتيد المتهمون إلى وكيل الجمهورية.

وكيل الجمهورية محاط بمدير أمن الدولة وكالة، وضباطه وجنوده المشرفين على "العملية" من بدايتها إلى نهايتها.

لم ينته دور الشرطة إذن.. ولم يبدأ دور القضاء بعد..

النيابة حجزت أقرب قضاة تحقيقها (الديوان الأول) لتولي المهمة.

"الزوج آخر من يعلم" في "دولة القانون".

الشرطة كيفت "الفعل" بالتلبس بالجرم المشهود، ولا تريد تحقيقا قد يفقدها المبادرة.

أمر قاضي التحقيق وكتابه بالرحيل!

تمت إجراءات "التلبس":

- محاضر استجواب مطابقة لمحاضر الشرطة،

- ثلاث بطاقات إيداع للرجل وآخرين ليكتمل نصاب "الجمعية".

- تحول المخبران إلى "شهود" إثبات: "نشير إلى أن الشيخ بن سيدي بن عبد الله وشيخنا عبد القادر تيوب شهود في هذه العملية". (المصدر نفسه).

أوامر صارمة بمنع زيارة المحامين والأهل؛ خلافا لتصريح نص المادة 103 إ. ج: "يجوز للمتهم المعتقل لمجرد استجوابه لأول مرة أن يتصل بمحاميه بحرية. ولحاكم التحقيق الحق في أن يقرر منعه من الاتصال لمدة خمسة عشر يوما، ويجوز أن تجدد هذه المدة ولكن لمدة خمسة عشر يوما أخرى فقط. ولا ينطبق هذا المنع في أية حالة على محامي المتهم".

نشرت المحاضر في "بعض الصحف" قبل اطلاع الدفاع والمحكمة الجنائية عليها.

".. محاكمة غير شرعية"

"إذا كانت مكاتبي الغرامية

تشكل أي عدوان على أحد..

إذا كانت مكاتبي الغرامية..

بثورتها..

وجرأتها..

ونبرتها الطفولية

ستقلب حولك الدنيا

وتقتل ألف درويش..

وتشعل ألف معركة صليبية..

فلا تستغربي أبدا..

ولا تبكي عليّ إذا أدانوني

وقالوا إن كتاباتي: إباحيه

فكل محاكم العشاق في وطني

محاكم غير شرعية..".

(نزار قباني – أشعار خارجة على القانون م2 ص17).

إحالة إلى المحكمة الجنائية بانواكشوط مع طلب الحكم على المتهمين: "حيث ضبطت واقعة تشكيل جميع الأشرار من لدن ضابط الشرطة القضائية بأدلتها على مسرحها في مباشرة الفعل في الحال، كما ظهرت الأدلة بالإقرار المعزز بشهادات وأدلة واضحة ومطابقة، ما يستنهض أركان الحالة المقررة بالمادة 46  من ق. ا. ج وعلى ذلك يتم اللجوء إلى إجراءات التلبس المنوه عنها أعلاه.

.. فإننا نطلب من المحكمة الجنائية بولاية انواكشوط أن تتعهد بملف القضية.. وأن تحكم في هذه التهمة على المتهمين المذكورين..". (المدعي العام لدى المحكمة العليا).

جلسة صاخبة يوم 10 /5/ 01 خصصت للدفوع.

تقدم الدفاع بسلسلة من الدفوع تتعلق بشرعية تعهد المحكمة، وصحة المحاضر، وحالة التلبس، وطالب بمثول شاهدي الاتهام الغائبين.

المدعي العام لدى المحكمة العليا ومستشار وزير العدل وقفا أمام الملأ في شرفة، فوق رؤوس قضاة المحكمة، يشاهدان ما يجري.. نحن هنا..

رئيس المحكمة العليا والمدعي العام ومستشار الوزير رابطو في قصر العدالة إلى نهاية الجلسة ليلا.

المادة 90 من دستور "دولة القانون" تقول: "لا يخضع القاضي إلا للقانون، وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه".

قررت المحكمة اختصاصها، واستدعاء الشهود، وضم باقي الدفوع إلى الأصل، وحددت يوم 27 /5/ 01 تاريخا لاستئناف المرافعات.

النيابة لا تطمئن للمحكمة.

في أول يوم عمل موال، طلب المدعي العام لدى المحكمة العليا منها الأمر بتخلي محكمة جنايات انواكشوط عن الملف، وإحالته إلى محكمة العيون الجنائية، لأسباب أمنية!

استجابت المحكمة العليا للطلب فورا، وفي نفس اليوم، دون إخطار دفاع المتهمين.

القانون يجيز هذا الطلب بشرطين:

- وجود تهديد حقيقي للأمن العام، يقع عب إثباته على مدعيه (شرط لا وجود له ولم يقدم مدعيه أدنى بينة عليه).

- تبليغ الأطراف طلب النيابة ومنحهم أجل 15 يوما يقدمون خلاله مذكراتهم إلى كتابة المحكمة (شرط تم خرقه). المادتان 573 و575 من ق. إ. ج.

رئيس المحكمة التي قررت الإحالة لم يؤد بعد اليمين القانوني؛ وهي شرط في مباشرة مهماته بقوة المادة 38 من قانون التنظيم القضائي ونصها: "يعين رئيس المحكمة العليا لمدة خمس سنوات بمرسوم من رئيس الجمهورية من بين الشخصيات المعروفة بكفاءتها العالية في المجال القانوني والإداري وبتجربتها ونزاهتها. ويجب أن يكون دينه الإسلام. وقبل تقلده لوظائفه يقسم أمام رئيس الجمهورية اليمين التالية: أقسم بالله الواحد أن أؤدي مهامي بإخلاص، وأن أمارسها بكل حياد ونزاهة، امتثالا لأحكام الشريعة الإسلامية والدستور والقوانين، وأن أحافظ على سر المداولات، وأن لا أتخذ أي موقف علني، وأن لا أدلي برأي خاص حول القضايا التي تدخل في اختصاص المحاكم، وأن أتصرف بصفة عامة تصرف قاض نزيه مخلص".

نقل الملف والمتهمون بسرعة إلى العيون، على بعد أزيد من 800 كم.

"لا يجوز فصل أي أحد عن قضاته الطبيعيين" (المادة 7 من قانون التنظيم القضائي).

الدفاع يحتج، ويعلق مؤازرته للمتهمين بعد التشاور معهم، ويقول في بيان: "أمام انتهاك القانون وعدم احترام قواعد التقاضي، فإن مهمتنا أصبحت عديمة الجدوى على المتقاضين؛ بل إنها قد تضر بحسن سير العدالة، وتتسبب - علاوة على ذلك- في تزكية محاكمة صورية".

رئيس المحكمة الجنائية بالعيون يختصر الآجال في قرار غير معلل؛ خرقا للمادة 487 ق. إ. ج. ويوجه استدعاءات إلى المحامين: بعضهم بوصفه متهما، والبعض الآخر بوصفه مسؤولا مدنيا، وآخرين بوصفهم أطرافا مدنية.

الدفاع يقاطع الجلسة.

المحكمة تؤجل جلستها وتعين دفاعا زائفا، خلافا لرغبة المتهمين، وصريح الفقرة الثانية من المادة 7 من قانون التنظيم القضائي: "ويعتبر الدفاع حرا وكذلك اختيار المدافع".

الشبيه يطلب من دفاعه الحضور لمؤازرته.. ويثير تعهد وكيل الجمهورية له بإجراء محاكمة عادلة!

".. قررت هيئة الدفاع التخلي عن مقاطعة المحاكمة، لا لأن شروط قيام محاكمة عادلة قد توفرت، بل نزولا عند رغبة المتهمين فقط".

الأستاذ المغربي ماء العينين سيدات يحتجز في مطار انواكشوط تحت حراسة مشددة، ويرحل بعد ليلة نابغية، إلى المغرب، رغم توفره على تأشيرة دخول.

ممثل الاتحادية الدولية لحقوق الانسان الاستاذ هيغا يطرد إلى داكار في الطائرة نفسها التي حطت به في انواكشوط.

رئيس المحكمة الجنائية في العيون بباب وزير العدل في انواكشوط!

وكيل جمهورية العيون يعزل عن الملف.. ونائب المدعي العام لدى المحكمة العليا يحمل شاهديه المتهمين إلى العيون، وممثل النيابة في محاكمة وصل قبل انعقادها بدقائق، رغم صراحة المادة 25 من التنظيم القضائي: "تمثل النيابة العامة لدى المحكمة الجنائية من طرف وكيل الجمهورية المختص أو أحد نوابه".

الدفاع يثير عدم اختصاص محكمة جنايات العيون، لانعدام وبطلان قرار الإحالة، وحظر فصل المتهم عن قضاته الطبيعيين، وبطلان الإجراءات والمحاضر.

المحكمة ترفض جميع الدفوع.

أحد القضاة المستشارين ينسحب ويتم تعويضه!

الاستماع لشاهدي النيابة:

الشاهد الأول: لا يملك ما يثبت هويته، ويدعي هوية أخرى، وأنه يتيم الأبوين ولا قريب له في الدنيا.

الدفاع يثبت العكس ويأتي ببينة على الهوية الحقيقية لـ"الشاهد" وأسماء والديه وأقاربه، وأنه شرطي محترف.

ينهار الشاهد الأول.

يتلوه "الشاهد" الثاني: لا يملك مثله ما يثبت هويته، ويعترف بأنه جندي فار يدير عمه المخابرات العسكرية.. ويكذب، ويتناقض.

الدفاع يطلب متابعة شاهدي الزور عملا بالمادة 291 ق. إ. ج.

النيابة تهب لنجدتهما: "..القانون لم يشترط أي شكل معين لاثبات الهوية من بطاقة تعريف ولا غيرها (!!) ولا يعقل أن يكون أي شخص أعلم بآخر من نفسه، وما دام الشيخ بن سيدي عبد الله الذي أعطي هويته التامة أمامكم - سيدي الرئيس- فنحن نعتقد صحتها ونتمسك بذلك. (!)

وعلى افتراض أن له اسما آخر كما هو شأن جميع الموريتانيين؛ إذ قلما تجد أحدا منهم إلا وله أكثر من اسم أو لقب أو كنية، لربما يكون الشيخ قد استعمل أحد أسمائه اتقاء منه لرأب الصدع في المجتمع الواحد، ورأب الصدع بين الأسرة الواحدة يعتبر حسنة للفاعل لا عليه. (!)

وحيث إن التزوير المذكور في المادة 291 م. إ. ح يتعلق بموضوع الشهادة ولا يتعلق بالأسماء والألقاب والكني للشاهد أو لعائلته (!) .. فإننا نطلب من محكمتكم الموقرة رفض الطلب المقدم من هيئة الدفاع لعدم تأسسه وخلوه من الدليل". (عريضة جوابية تقدمت بها النيابة).

_____________________

* مرافعة في محاكمة الرئيس محمد الأمين الشبيه ولد الشيخ ماء العينين. (وما أشبه الليلة بالبارحة!)

يتواصل بإذن الله