قصتي مع مصـر (ح 5/ 5)

القلعة

السبت 02/11/02: ذكرى وعد بلفور.. وعد من لا يملك لمن لا يستحق!

في صباح هذا اليوم توجها إلى القلعة. وقد تاها عن الطريق، وبعد وقت طويل من البحث وصلا إليها. بدءا بزيارة مسجد الناصر محمد بن قلاوون. وكان مسجدا ضخما كتب على محرابه: "بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم".

ومنه انتقلا إلى مسجد محمد علي الذي بني سنة 1246هـ/1830م.

ومحمد علي باشا -لمن لا يعرفه- ضابط ألباني تطوع في الجيش العثماني الذي توجه إلى مصر لطرد نابوليون منها. وبعد انتهاء مهمته نصب نفسه حاكما على مصر التي حكمها 43سنة ويعتبر مؤسس – وباني- مصر الحديثة. وقد تنازل عن الحكم سنتين قبل وفاته حيث بقي ابنه وقائده إبراهيم باشا يدير سدة الحكم. ولكن إبراهيم باشا توفي قبيل وفاة محمد علي. فخلف عباس حلمي الأول محمد علي. ومن بعده محمد سعيد باشا، فإسماعيل باشا. فالخديوي محمد توفيق، فالخديوي عباس حلمي الثاني، فالسلطان حسين كامل، فالسلطان فؤاد الأول، فالملك فاروق.     

بدآ بقبة الوضوء.. كان الماء يأتي إليها من النيل بواسطة النوافير، وعمق خزان القبة 18مترا.

ثم دخلا المسجد المبني على غرار مسجد آيا صوفيا العظيم. يبلغ ارتفاع المسجد 52مترا. قبة المسجد تحتوي 365مشكاة بعدد أيام السنة؛ وبها ثريا مهداة من ملك فرنسا لوي فيليب وزنها ألفا كلغ. وبالمسجد سجاد عمره 120سنة؛ كما به ساعة فرنسية ضخمة مهداة - هي الأخرى- من لوي فيليب. وقد أهدى مقابلها محمد علي لملك فرنسا المسلة المعروفة الشامخة في ساحة الكونكورد.   

وبالمسجد قبر محمد علي.

منبر المسجد الأصلي من الخشب المطلي بالذهب؛ وعليه رسم الشمس شعار الدولة العثمانية. لكن المهندس أخطأ في تصميمه فبناه بعيدا عن المحراب؛ وهذا ما جعل الملك فاروق يبني منبرا جديدا في المكان المناسب صار به مسجد محمد علي ذا منبرين.

تطل القلعة التي تبلغ مساحتها 60فدانا (25000دونم) على الفسطاط غربها (مدينة عمرو بن العاص). وشرق الفسطاط توجد القطائع عاصمة الدولة الطولونية. وبعد القطائع تبدأ قاهرة المعز. وحول القلعة عدة مساجد وآثار، منها مسجد السلطان، وقبر مصطفى كامل، وقبور العائلة المالكة: الخديوي إسماعيل، وفؤاد وفاروق، ثم محمد رضا بهلوي شاهنشاه إيران الذي كان زوج أخت فاروق.

ومن كنوز القلعة قصر الجوهرة. بناه محمد علي سنة 1811وجميع أثاثه كان هدية من لوي فيليب ملك فرنسا. كما أن الرسوم والتماثيل الموجودة فيه من الفن الباروكي. وبالقصر هدايا قيمة مثل تصميم لقبة الصخرة من الصدف الخالص مهدىً من الملك عبد الله إلى فاروق. وساعة حائط ثمينة مهداة من الملكة فكتوريا. وبارومتر حائطي مهدى من ملوك فرنسا كذلك. وبه أيضا سرير أعد لملكة فرنسا أجوني زوجة نابوليون الثالث التي قدمت إلى مصر أيام تدشين قناة السويس 1869.

وبقصر الجوهرة كذلك مجلس لديوان المظالم؛ حيث توجد لوحة يجلس فيها محمد علي وإلى يمينه مترجمه ثم شيخ الأزهر. وعن يساره الحاجب يعرض شكوى فلاحين مصريين أحدهما شديد السمرة. وبالمجلس 4 حراس.

وبالقلعة أيضا جرت مذبحة المماليك المشهورة.

 

المتحف الحربي

أول ما يلقى زائر المتحف الحربي هو تمثال كبير للقائد إبراهيم باشا وهو على صهوة جواده.

وبعده أربعة تماثيل نصفية في الحديقة لرؤساء مصر الجمهورية: حسني مبارك والسادات في المقدمة وفي الخلف محمد نجيب وجمال عبد الناصر!  

وفي الداخل بانوراما لملوك وزعماء مصر الذين يعترف بهم ويمجدون وهم على التوالي:

الملك مينا القرن 12ق م.

الملك تحتمس الثالث 1504 - 1450ق م.

الملك رمسيس الثاني 1279 - 1213ق م

السلطان صلاح الدين الأيوبي 1171 -  1173م

السلطان سيف الدين قطز 1259 - 1260م

السلطان الصالح بيبرس 1260م

محمد علي باشا

الخديوي إسماعيل

محمد عرابي باشا

مصطفى كامل

سعد زغلول باشا

أسرة محمد علي؛ الاثنين 13مايو 1805- الخميس 18يونيو 1953.

 

الآية الكريمة ﴿وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب... ﴾ تتوسط بانوراما العبور في حرب أكتوبر المجيدة.

* * *

والآن.. هاهو ذا ينزف، محشورا بين ألوف المحامين العرب الذين تداعوا إلى مصر لنصرة العراق، تحاصرهم آلاف البوليس المدجج بالسلاح، وهراواتهم ترتع في اللحم القانوني الطازج الأعزل!

التفتَ حوله فإذا أحد زملائه يصرخ وينوح "يعيط"! سأله من أي بلد أنت يا صديقي؟ فأجاب: "من مصر الغلبانة المقهورة"!

صدق صاحبه:

- العراق يستباح ويتم تدميره. ولا تكتفي الكنانة بالتفرج على المشهد؛ بل تشارك فيه بحماس وإخلاص منقطعي النظير، ويقوم جيش صلاح الدين وعرابي باشا، جيش 23 يوليو بنصيب الأسد في حرب الصليب على أهل الرافدين!

- فلسطين قضية العرب المركزية؟ حصار ودمار وقتل وقهر وتهويد.. والعلم الصهيوني القذر يرفرف في سماء قاهرة المعز لدين الله!

-والسودان؟ ألا تتناهشه الذئاب والكلاب معا على مرأى ومسمع من مصر دون أن تحرك ساكنا، وقد أكلت يوم أكل الثور الأسود؟

- أما قضايا الأمة العربية وإفريقيا وعدم الانحياز وحركة التحرر العالمية التي كانت القاهرة قلبها وقبلتها وسندها الثابت... فقد أصبحت نسيا منسيا، وصارت مصر العظيمة مجرد رقم أو عنوان في حظيرتي الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية!(1)

- ناهيك عن تجويع وإذلال وهدر شعب مصر العظيم وانتهاك حقوقه وكرامته ووحدته! 

يا إلهي!

كيف تحول حلم الخمسينيات والستينيات وجل السبعينيات، الوردي إلى كابوس أسود مرعب جاثم قاتم لا أفق له ولا أمل في الأفق المنظور في انقشاعه؟

... أيمكن أن يغتال "حسْنَكِ حُسْنَهُ" ** وأن تصبح الخمر الكريمة حنظلا
أيمكن أن تغدو المليحة هكــذا ** طلاء بدائيا وجفنا مكحــلا؟

وانساب شريط أيامها المجيدة راكضا، كلمح البصر، أمام ناظريه:

        مينا

        تحتمس

        رمسيس

        المقوقس

عمرو بن العاصي

أحمد بن طولون

المعز لدين الله الفاطمي

صلاح الدين الأيوبي

السلطان سيف الدين قطز

السلطان الصالح بيبرس

محمد علي باشا

عرابي باشا

مصطفى كامل

سعد زغلول

جمال عبد الناصر

... وملحمة العبور الأسطورية!

… نائحة أخرى هز صوتها الشجي الأليف وجدانه منبعثا من خان الخليلي المتخمة ببضائع صينية مقلدة مثل الورود الصناعية الذابلة:

"يا فؤادي لا تسل أين الهوى ** كان صرحا من خيال فهوى

اسقني واشرب على  أطلاله ** وارو عني طالما الدمع روى

كيف ذاك الحب  أمسى  خبرا ** وحديثا من أحاديث  الجوى

وبساطا من ندامى  حلم ** هم تواروا أبدا وهو  انطوى".(3)

ومِن على جسر 6أكتوبر وفي طريقه إلى ميناء القاهرة الدولي آئبا ألقى نظرة وداع على أقانيم روحه السائبة عبر الوادي التائه، وكنوز قلبه الضائعة في ذلك الأديم الساحر الهامد. فسالت عبراته...

  حنت عليه من عليائها ملاكا بهيا في صورة "يمنه" فاحتضنته ومسحت حزنه وصاحت والألم يمزقها:

- "يـو....ه يا "رمان"..

مشوار طولان

 

في الدنيا وجع وأهموم أشكال وألوان

الناس ما بتعرفهاش

أوعرهم لو حتعيش

بعد (أحبابك) ما اتموت

ساعتها بس..

حا تعرف إيه هو الموت.!!

 

قديم البيت.

اتهدت قبله بيوت وبيوت.

وأصيل هوّه..

مستنيني لما أموت..!!

 

حاتيجي العيد الجاي؟

واذا جيت

حاتجيني الجْاي؟

وحتشرب مع "يمنه" الشاي.؟؟

 

- حا جى يا عمّه.. وجيت   

لا لقيت "يمنه" ولا البيت..!!"(4)

محمدٌ ولد إشدو

ــــــــــــــــــــــــــــــ

1.  الاتحاد الإفريقي الآن.

2. البيتان لنزار قباني؛ مع تصرف بسيط.

3. من "الأطلال" لإبراهيم ناجي.

4. من قصيدة شعبية شهيرة للشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي.