قصتي مع مصـر (ح 4)

في رحاب التاريخ

في يوم الخميس 31/ 10/ 02 (ذكرى العدوان الثلاثي) توجها زوالا إلى المتحف المصري حيث قضيا ثلاث ساعات صحبة دليل أثري ماهر يدعى أحمد محمد مرعي، تفضل بتزويدهما بما سمح به الوقت من المعلومات عن كنوز مصر الأثرية (110 أهرامات و4700 قطعة أثرية من حجر الجرانيت ورسوم دقيقة وتماثيل وألوان لم تتأثر) التي يتجاوز عمرها 5000 سنة.

بدأت رحلتهما بزيارة تمثال الملك زوسر صاحب هرم سقر (2700 ق م).

كان الفراعنة يركزون عنايتهم على خمسة عناصر: الجسد، الاسم، الروح، القلب، القرين. ومن هنا جاء اهتمامهم بالحياة الأخرى وبناء المقابر - الأهرام. وكان الحجر الجيري الوسيلة المتاحة في بداية العهد الأول.

وفي عهد الملك منكورا (عمر تمثاله 4300 سنة) تم اكتشاف الجرانيت: توجد في المتحف أعمدة منه على شكل جذوع نخل تُخرج سعفا من رؤوسها عمرها 4300.

أما تمثال الملك قعبر (شيخ البلد) وهو من خشب، فعمره 4300 سنة. وقد سماه مكتشفوه شيخ البلد لشبهه بشيخ بلدهم. كما يبلغ عمر تمثال كاتب الملك 4250 سنة.

الملك خفرع باني الهرم الثاني ومكمل هرم أبيه حورس سقر باني أبي الهول.

ويوجد تمثال وحيد من بين الكنز يقدم القدم اليمنى؛ بينما جميع الجيوش في العالم تقدم اليسرى، لأن اليمنى أقوى من اليسرى، وعلى المتحرك الاعتماد على اليمنى وتحريك اليسرى. وقد قدمت عدة تفاسير لذلك بما فيها كون النحات "أشول".(1)

قطعة من جلد الغزال عمرها 4000 سنة.

الملكة حتب حرس زوجة الملك سنوفر وأم خوفو كان تمثالها - خلافا لغيره- من حجر ناعم "لطيف" يليق بجنسها وبمكانتها.

"تنده" قبة تضرب للملكة حتب حرس للوقاية من البعوض عمرها 4383 سنة أعمدتها من خشب مكسو بالذهب وهي بشكل رباعي.

الأمير رحتب (الشمس الغاربة) وزوجته نفرت (جميلة) تمثال رائع عمره 4383 ومع ذلك فإن الألوان ما تزال على حالها؛ سحنة الأميرة بيضاء، وترتدي فستانا أبيض طويلا أنيقا، بينما سحنة الأمير سمراء بفعل تأثير الشمس الإفريقية الحارقة. وأغرب ما في أمرهما - ومثلهما تماثيل عدة- كون أعينهما الواسعة مفتوحة مشرقة بجمالها الطبيعي وإنسانها الأسود البراق، وهذا ما سبب هروب فريق الأثريين الذين اكتشفوهما عندما حفروا عنهما فإذا بأعينهما مفتوحة تشع فظنوهما حيين صاحيين. وقد أبدع النحاتون في ذلك العهد في تركيب تلك الأعين من مواد وأحجار كريمة لا تختلف في شيء عن العين الطبيعية!

انتهيا من آثار الدولة القديمة من 2700 إلى 2200 ق م. وقد أطاحت بها ثورة أدت إلى نهب المقابر وفصل الشمال عن الجنوب وانتشار الفوضى طيلة قرن من الزمن.

وفي بداية زيارتهما لآثار الدولة الوسطى زارا تمثال منتوحتب الثاني موحد مصر في عهد الدولة الوسطى.

يقال إن أمون رع مسيس قام بنقش اسمه على تماثيل لغيره. لكن اسم الملك الذي بنى تلك التماثيل بقي منقوشا في مكان آخر من التماثيل؛ إما بسبب كسل الفنان الأخير أو تعاميا منه استهجانا لذلك العمل المشين.

انتهت الدولة الثانية على يد قبائل غزت مصر من آسيا سميت الهكسوس (حكاوخاسو): الحكام الأجانب. استخدمت تلك القبائل في غزوها الخيل والعربات؛ وهي أمور لم يكن يعرفها المصريون، فاحتلت أرضهم وقهرتهم. وبعد 100 سنة ربى المصريون الخيل واستخدموا نفس الأسلحة وهزموا الهكسوس. ولعل هذه التجربة ألهمت المصريين بعد هزيمة حزيران وهم يحضرون انتقام أكتوبر 73العظيم!

الدولة الثالثة:

كان المصريون مسالمين لا يعتدون على أحد ولا يحتلون أرض أحد. وفي عهد الدولة الثالثة اتبعوا سياسة إمبراطورية، حيث قرروا ضم أراضي الذين يحاربون مصر ويعتدون عليها. ومن أعظم أباطرة هذا العهد تحتمس الثالث (ابن رب الحكمة).

كان أكبر تمثال في المتحف تمثال أمون حتب وزوجته (7أمتار).  

ومن أعظم ملوك هذا العهد أيضا أمنحتب الرابع أخناتون (عبد آتون) وهو الفرعون الذي نادى بالتوحيد وعبد إلها واحدا هو "آتون" رب كل شيء. وزوجة أخناتون هي نفرتيتي. وقد حاربه الكهنة ورموه بالزندقة وأطاحوا به. كما أطاحوا بابنه من بعده؛ مما أدى إلى انقراض الأسرة.

وبعد أخناتون ابنه توت عنخ آمون وكان اسمه توت عنخ آتون فغيره الكهنة تعصبا لمعتقدهم.   

يوجد بالمتحف ورق بردي عمره 4000 سنة يحافظ على الألوان كما هي. وفيه وصف للجنة ورسوم لها تتفق مع ما جاء في القرآن العظيم!

وتوت عنخ آمون هو الفرعون الذي عثر على مقبرته سليمة من النهب؛ وهي أكبر جناح في المتحف حيث تشتمل على كافة معداته وأثاثه وأمتعته من عروش وأسِرّة ونعل ومراكب وملابس وصولجانات وآنية وحلي.. وغيرها، وقد عرفت في عهده الملابس الداخلية والقفازات والشطرنج والكعوب (كعوب وشطرنج بعمر 3570 سنة).

في جناح الملوك:

وفي غرفة المومياء حلا ضيفين في بلاط فراعنة مصر العظماء:

- سنقر رع تاع

- أمنحتب الأول

- الملكة مريت آمون

- تحتمس الثاني

- تحتمس الرابع (الأسرة 15)

- سيتي الأول (الأسرة 19)

- مرنبتاح       "     "

- رمسيس الخامس ("  20)

- رمسيس الثاني   ("  19)

- الملكة نجميت   (" 21) زوجة الملك حريحوت

- الملكة حنوت تاوي زوجة بنجيم الأول (الأسرة 21). 

الأهرام:

الجمعة 01/ 11/ 02 كان يوم الأهرام. توجها إليها على الثامنة والربع. وعندما وصلا إليها لم يكن في ميدانها كثير من الناس. دارا حولها وبعد ذلك بدآ زيارتها واحدا، واحدا. كانت 9أهرامات ثلاثة منها كبيرة هي هرم خوفو، وهو الأكبر؛ يليه هرم خفرع بن خوفو، ويأتي في المرتبة الثالثة هرم منكر. أما الستة الباقية فقد عرفت أصحاب ثلاثة منها وهن: حنوت سان أخت خوفو وزوجته في نفس الوقت، وأمريت إيت أس زوجة خوفو غير الشرعية (لأنها ليست أخته وليست من الأسرة الفرعونية) وحوتب حرس أم خوفو.

يقع هرم خوفو - كما روى المرشد العجوز- على 12فدانا مربعا، ويتكون من 3ملايين حجر، وزن الحجر الواحد ما بين 3و4و7 أطنان؛ تم نقلها من أسوان (600 كم) وحلوان والمقطم ووادي حوف، بواسطة المراكب؛ حمولة المركب ما بين 3إلى4أحجار. واستغرق حمل الأحجار 10سنوات؛ كما استغرق بناء الهرم 10 سنوات كذلك، وقام بالبناء 4800 عامل.

كما زارا هرم الملكة حنوت سان من الأسرة الرابعة 2551 - 2521 ق م، وكذلك مقبرة كبير الأطباء سشتم نفر، ومن ضمن ما رأيا فيها مكان تقديم القرابين؛ وتقدم من الغزلان والثعالب والثيران والأبقار والبط والأوز. وكان غير الطيور منها يذبح من الأكرع.

تساءل هو: هل كان شاعرنا الكبير سدوم على دراية بالطريقة الفرعونية للذبح؟ أم هي العبقرية التي جعلته يقول في ممدوحه هنون ولد بوسيف: 

"أمَسْلَه ذابحها في الكرعان       فرْظْ اعْلَ امبارك يَوْكَلْها"؟!

ومن الأهرام توجها إلى أبي الهول.

        لم يكن أبو الهول - حين وقفا به- يعبأ بصيحات الحرب التي يطلقها بوش.

        ولما طارحه البث زم أنفه الأشرم وقال:

        - دَعِيٌّ عابر كرسي في لحظة من لحظات الدهر العتيد!

        - ولكنه يدمر العالم!

        - لن يدمر إلا نفسه وأهله!

        - لديه أعتى قوة في التاريخ.

        - ولكنه زائل كمن سبقوه ومن سيلحقون به من طغاة وغزاة ومجانين لا يفهمون سنة الوجود... سل الهرم الذي بجنبي، والنهر الذي يجري من تحتيّ!  

كان أبو الهول يجثم في سفح الهضبة، رابضا يحرس تلك الكنوز، غير آبه بما يدور حوله من أحداث، يتحدى الزمن، ويسخر من الأوغاد! أولم يهزأ أمس بإمبراطور العالم نابليون عندما سولت له نفسه التطاول عليه؟

        الأزهر الشريف

ومن الأهرامات توجهوا إلى الأزهر الشريف فصلوا فيه الجمعة خلف شيخه الفاضل الشيخ الطنطاوي.

وقُضِيَتْ الصلاة، فانتشرت مظاهرات في ساحة المسجد هتف منظموها بالشعارات الدينية وبسقوط أمريكا: "قول يالشعب أما اتخافوش يسقط يسقطيسقط بوش". "بالروح بالدم نفديك يا إسلام". "شيخ الأزهر سمّع صوتك كل الأمة ضد اسكوتك".. وغيرها من الشعارات المؤيدة لفلسطين والعراق والمعادية لأمريكا وإسرائيل.

بعدها عقد مهرجان داخل المسجد تناول فيه السيد إبراهيم شكري - رئيس حزب العمل المنحل- الكلام، فندد بالصمت العربي على تهديد العراق، ودعا لمقاطعة أمريكا في كل شيء، وكان قادما لتوه من العراق.

وفي ركن آخر من المسجد كان شيخ الأزهر يجلس في حلقة مكتظة للتفسير غير آبه بما يجري حوله. تذكر هو أن شيخه محمد عبده ربما كان يجلس في نفس المكان وفي نفس الحلقة! وكذلك الشيخ الشنقيطي محمد محمود ولد التلاميد!

وبعد زيارة الأزهر قاما بجولة في المقابر المنتشرة حوله؛ والتي تجمع - في انسجام بديع- بين الحياة والموت؛ حيث يسكن الأحياء والأموات دورا متفاوتة الأحجام كتب عليها أنها أضرحة لأموات يرقدون فيها، بينما يعيش فيها الآن أحياء يتخذون منها مساكن لهم ولأسرهم دون أية غضاضة. وقد شقوا فيها شوارع وأوجدوا مختلف أوجه النشاط التي توجد في الأحياء العادية: مرآب لتصليح السيارات، متجر، أطفال يلعبون الكرة.. إلخ.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- أي أعسر (وهو من يغلب عليه استخدام يسراه).