الحجر الصحي في عين الفرزدق

فيا ليتنا كنا بعيرين لا نَرِدْ ** على منــــــهلٍ إلا نُشَــــلُّ ونُقْذَف
كلانا به عَرٌّ يُخاف قِرَافُه ** على الناس مطليُّ المَسَاعِر أخْشَفُ.

(العَرُّ بفتح العين الجرب، وكان للخرافة حضور في علاجه، واشتهر قول النابغة الذبياني: ... كذي العر يُكْوَى غيرُه وهْوَ راتع!).

تمنى الفرزدق في هذا الموقف حجرا صحيا خاصا مع محبوبته التي حُرم منها (حَدْرَاء بنت زيق بن بسطام بن قيس الشيبانية) وذلك في قصيدته الطويلة (113) التي قالها رفعا لتحدي الأحوص، ومطلعها:

عَزَفْتَ بِأَعْشَاشٍ وَمَا كِدتَ تَعْزِفُ ** وَأَنكَرْتَ مِنْ حَدْرَاءَ مَا كُنتَ تَعْرِفُ.

وهي من روائعه.

بعد وصف المحبوبة يشكو الفرزدق ألم فراقها وهجرها؛ هجرانا داواه ذات مرة بقربها عامين كانا أجمل ما عاشاه، يرشفان فيهما سلافة خمرهما الشهية، ثم تدخل جرير معيرا أباها بمصاهرة "ابن القين" فقطعت اللذة وتبدل الوصال بهجران لا يطاق يتمنى زواله ولو بإصابتهما بمرض خطير معد يخاف منهما الجميع بسببه فيطردان بكل منهل عذب كالبعيرين الأجربين.. ليتسنى لهما صفاء الحب ولذة الاستئناس ببعضهما البعض في حجر صحي خاص يتمتعان به في أرض خلاء، بعيدين من كل الأعين ومن كل الحاجات إلا من ثياب فاخرة وبقية سلافة خمر شهية وماء مزن ولحم طير مما يشتهيان يزودهما به صديق متألف:

بأرضٍ خَـــــلاَءٍ وَحْــدَنَا وثيابُنا ** من الرَّيْطِ وَالدِّيبَاجِ دِرْعٌ ومِلْحَفُ

وَلاَ زَادَ إلاَّ فَضْلَـتَانِ: سُـــــلاَفَةٌ ** وأبيضُ مـــن ماء الغمامة قَرْقَفُ
وأشلاءُ لحمٍ من حُبَارَى يَصِيدُهَا ** - إذا نحـن شِئنا- صَاحِبٌ مُتَأَلِّفُ.

فأين الآباء اليوم في منازلهم في هذه الأيام مع الزوجات في البيوت، لا يسمح لطرف بمفارقة الآخر من وجدان الفرزدق في حَجره الذي يتمناه بحرف التمني "ليت"!
أين الآباء من ذلك مع تداعيات ضغط الحجر الصحي غير المحدود إثر فيروس كورونا المتجدد..

سلَّمَ الله الموريتانيين جميعا، وجميع المسلمين، من هذا الوباء الخطير.

ابقوا في منازلكم